للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ (١) وَالشَّافِعِيُّ (٢): هُوَ مَسْنُونٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ).

فالعُلَمَاء -ونَعْني بهم الفقهاء المشهورين، وفي مقدمة هؤلاء من الفقهاء الأئمة الأربعة- انقسموا إلى قسمين:

١ - جُمْهُورهم (وهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد)، قالوا اتفاقًا: إن سجود التلاوة سُنَّةٌ، وليس بواجبٍ.

٢ - والإمام أبو حنيفة خالف في ذلك، فَقَال بوجوب سجود التلاوة.

وكما هو معلوم أن العلماء عندما يقول أحدهم قولًا، لا يَقُول قوله هذا بناءً على رغبةٍ أو هوًى أو تشهٍّ، لا، إنما يقول هذا القول؛ لأنه يرَى أن الحقَّ فيه، وهذا الذي ظهر له، وقد يكون الحق في قول مخالفِهِ، لكنه يظهر له هذا القول، فنحن عندما نجد أن أبا حنيفة يقول: إن سجود التلاوة واجب، فإنه يستدل بأدلةٍ؛ فهو يستدلُّ بكتاب اللَّه عز وجل، وبسُنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبالقياس، إذًا دليله المنقول والمعقول.

أدلة الحنفية:

فَمِنَ الكتاب العزيز يستدلُّ الحنفية بقول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)} [الانشقاق: ٢٠، ٢١]، وهذا فيه إنكار وذم للذين لا يسجدون، فيقول الحنفية: إن هذا دليلٌ صحيحٌ على وجوب سجود التلاوة.

ويستدلُّون أيضًا بقول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)} [النجم: ٦٢]؛ لأنَّ قوله: {فَاسْجُدُوا} أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب، قالوا: ولا صارف له، لكنهم لا يستدلون بقول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧]، مع أن الآية فيها أمرٌ؛ لأن الحنفية لا


(١) يُنظر: "الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي" (١/ ٣٠٨)، حيث قال: "و (هل) السجود (سُنَّةٌ) غير مؤكدة، ومقتضى ابن عرفة أنه الراجح (أو فضيلة)؛ أي: مندوب (خلاف) وهو في البالغ، وأما الصبي فيخاطب بها ندبًا قطعًا".
(٢) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٤٤١)؛ حيث قال: "تُسَن سجدات التلاوة".

<<  <  ج: ص:  >  >>