للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرون أنَّ الآيةَ فيها سجودٌ، فليست سجدةً عندهم، ولذلك لا يستدلُّون بالأمر هنا.

واستدلُّوا من السُّنَّة: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرَأ سورة النَّجم وَسَجَد (١).

وَفِي الحَديث المتفق عليه: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهم- أنه قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته" (٢)، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة.

ثمَّ أيضًا يقيسون ذلك على سجود الصلاة (٣)، قالوا: فهذه الأدلة كافية في أن سجود التلاوة واجبٌ، وليس بسُنَّةٍ.

أمَّا جَماهير العُلَماء وهم الجمع الغفير من الفقهاء فيَقُولون: إن سجود التلاوة ليس بواجبٍ؛ لأن الوجوب يقتضي أن يكون هناك دليلٌ صريحٌ في الأمر، ولا معارضَ له، وقد ثبت من حديث زيد بن ثابت المتفق عليه أنه قال: "قَرَأتُ على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَالنَّجمِ}، فلم يَسْجُدْ" (٤)، وهذا حديثٌ متفق عليه.

وجه الدلالة عندهم: أنه لو كان واجبًا، ما تركه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه أكثر الناس مبادرةً إلى السنن، فكيف يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- أن يترك أمرًا واجبًا؟!

وقالوا: ثبت عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه كان يخطب الناس على المنبر، فقرأ سورة النحل حتى وصل إلى السجدة بعد قول اللَّه سبحانه وتعالى: {. . . يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} [النحل: ٤٨ - ٥٠]، قالوا: فَسَجد عمر -رضي اللَّه عنه- في المرة


(١) سيأتي.
(٢) أخرجه البخاري (١٠٧٥)، ومسلم (٥٧٥).
(٣) لم أقف في كتب الحنفية على هذا القياس.
(٤) سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>