للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى، فلمَّا كانت الخطبة التالية، قرأ الآية، فلم يسجد، وقال: "إن اللَّه لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء" (١).

قالوا: وكان ذلك بمحضرٍ من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وعمر -رضي اللَّه عنه- إنما هو أمير المؤمنين وإمامهم، وهو أيضًا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد أبي بكر، وهو أحد الَّذين قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم: "اقتدوا باللَّذين من بعدي: أبي بكر، وعمر" (٢)، وهو أيضًا أحد الصحابة الذي قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم: "عَلَيْكم بسُنَّتي، وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ من بعدي، عَضُّوا عَلَيْها بالنَّوَاجِذِ" (٣)، فقَدْ خَطَبَ على المنبر، وَسَجد مَرَّةً ولم يَسْجد الأخرى، قالوا: ولو كَانَ واجبًا، لَمَا تَرَكه عمر -رضي اللَّه عنه-، وكان ذلك بمحضرِ جمعٍ غفيرٍ من الصحابة، فلم يُنْكر عليه ذلك أحد منهم، فكان إجماعًا.

ولم يرد نصٌّ أن السجودَ واجبٌ، قالوا: وقياسًا على أنَّ سجود الشكر ليس بواجبٍ.

وأجابوا عن أدلة الحنفية، فقالوا:

* أما استدلالهم بقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)} [الانشقاق: ٢٠، ٢١]، قالوا: هذا ذمٌّ للذين يتركون السجود من الكفار؛ استكبارًا وعنادًا وتعاليًا على اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذمَّهم في ذلك، وليس القصد من ذلك هو إيجاب سجود التلاوة.

* وأما الاستدلال بقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)} [النجم: ٦٢]، فالمراد بالسجود هنا إنما هو سجود الصلاة، وليس سجود التلاوة.

* وأما القياس على سجود الصلاة: فسُجُودُ الصلاة يختلف، لأنه ركنٌ من الأركان، وهذا يختلف عنه.

ولا شك أن حديث زيد بن ثابت المتفق عليه قد قطع ورفع كل


(١) سيأتي.
(٢) أخرجه الترمذي (٣٦٦٢)، وابن ماجه (٩٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>