للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدْ رَأينا أن أدلة الجمهور أقوى وأصرح، ووجه الدلالة فيها واضح؛ فهي لا تَحْتَمل تأويلًا، وهو القول الراجح في هذه المسألة.

* قوله: (وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الأَصْلَ هُوَ حَمْلُ الأَوَامِرِ عَلَى الوُجُوبِ أو الأَخْبَارِ الَّتِي تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الأَوَامِرِ) (١).

والعلماء قَدْ أجابوا عن الأوامر التي احتج بها بأنَّ أحد السُّجُودين المذكورين إنما هو سجود الصلاة، والآخر إنما هو وَرَد مورد الذَّم؛ لأن هُنَاك أقوامًا استكبروا، وَخَرَجوا علَى دين اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فهُمُ امْتَنعوا عن السجود علوًّا واستكبارًا في الأرض.

* قوله: (وَقَالَ أَبُو المَعَالِي (٢): إِنَّ احْتِجَاجَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالأَوَامِرِ الوَارِدَةِ بِالسُّجُودِ فِي ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ الجَابَ السُّجُودِ مُطْلَقًا لَيْسَ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ مُقَيَّدًا، وَهُوَ عِنْدُ القِرَاءَةِ -أَعْنِي: قِرَاءَةَ آيَةِ السُّجُودِ- قَالَ: وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ، لَكَانَتِ الصَّلَاةُ تَجِبُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الآيَةِ الَّتِي فِيهَا الأَمْرُ بِالصَّلَاةِ).

إذًا، هل كلما وردت الآية تجب الصَّلاة؟ لا؛ فالصلاة لها أوقاتٌ.


(١) استدلَّ بنحو ما أخرجه مسلم (٨١)، عَنْ أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قَرَأ ابن آدم السَّجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله! -وفي رواية أبي كريب: يا ويلي- أُمِرَ ابن آدم بالسجود، فسجد فله الجنة، وأُمِرْتُ بالسجود فأبيتُ، فلي النار".
قال السرخسي الحنفي في "المبسوط" (٤/ ٢): "والأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه بالنكير، فذلك دليلٌ على أنه صواب، ففيه دليل على أن ابْنَ آدم مأمورٌ بالسجود، والأمر للوجوب".
(٢) لم أَقِفْ عليه إلا ما جاء في "نهاية المطلب ودراية المذهب" لأبي المعالي الجويني (٢/ ٢٢٨): "السجود عند الآيات المشتملة على السجود -كَمَا سنذكُرُها- مأمورٌ به، يشهد له السُّنة المتواترة، وأجمع عليه المسلمون، وليس واجبًا، ولكنه مسنونٌ خلافًا لأبي حنيفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>