الطريقِ السَّوِيِّ؛ فادع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يهديه، وادع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يُصلِح قلبَه، إنْ وجدت فيه خَللًا فانصحه وبَيِّن له طريق الحقِّ وطريقَ الرشادِ، وحذِّره من طريق الغِوَايةِ والضَّلالِ، وأخبره أن هذه الحياة الدنيا إلى فناءٍ، وأن الآخرة هي الدارُ الباقِيَةُ، وأنه عليه أن يُؤْثِرَ الباقية على الفانية، هذا هو واجب المسلم نحو أخيه.
إذن، لا ينبغي لمُؤْمنٍ إذا نزلت به نازلةٌ أو وقعت به شدةٌ أن يتمنَّى الموت، ولَا ينبغي أن يُحْتج بقول مريم -عليها السلام-: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}؛ لأنها فعلت ذلك خشية الفتنة على قومها، وأما قول يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)}، أنتم تعلمون ما مرَّ على يوسف نبيِّ اللَّه عليه السلام من الأذى، فإخوته يكيدون له، ويُلقَى في البئر، ويُباع بثمنٍ بخسٍ، ثم يُنْقَل سلعةً رخيصةً، فَيُبَاع في أسواق مصر، ثم بعد ذلك يُلْقى في غيابات السجن، ويُتَّهَم قبل ذلك بأمرِ هو بريء منه، ويتجه إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، فقال:{فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ}، ويخرج إلى السجن ويظل فيه فترةً طويلةً، ثم تُرَى الرؤية، ثم يطلبه بعد ذلك حاكم مصر وعزيزها، ثم بعد ذلك يتبيَّن الحق من غيره.
ويظهر أنَّ نبيَّ اللَّه خرج صافيًا نقيًّا؛ لأن أنبياءَ اللَّه لا يحصل منهم ذلك، ثم بعد ذلك يُمكِّن اللَّه له في الأرض، ويضعه على حكم مصر، ثم بعد ذلك يجمع اللَّه له الشمل بعد أن تفرَّق، يأتي إليه أبوه بعد أن ذهب بصرُهُ، فَيُلْقى عليه ثوب ابنه فيرتد بصيرًا، ويأتي بإخوته فيطلبون منه أن يدعو اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم بالمغفرة، وكل ما حصل منهم من أذًى، وما لحق به من مشقات ومتاعب، ومع ذلك نجد أنه استغفر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)}.
وهَكَذا شأن المؤمن، مهما مسَّه من الأذى، ومهما ناله من إخوانه المؤمنين؛ فعليه أن يتحمل ذلك {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ