للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)}.

إذًا، هذا هو الطريق، هذه هي مرتبَةُ الإحسانِ، فمتى إذا ما وصلتَ إليها مع إيمانك بربك، فأنت وصلتَ إلى مَرْتبةِ الإحسان، فما أجمل أن يُمكِّنك اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أخيك، وأَنْ تَرَى الحقَّ في جانبك ظاهِرًا جَليًّا، ثم تعفُوَ وتصفحَ! لا شكَّ أنك ستجد ثوابَ ذلك مدَّخرًا عندَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في يومٍ أحوج ما تَكُونُ فيه إلى الحسنة الواحدة، لكننا نغفُل عن هذه الأمور، وكل واحدٍ منا يريدُ أن ينتصرَ لنفْسِهِ، ولماذا يعتدي عليَّ فلان، وربما قاطع القَريبُ قريبَه، والصديقُ صديقَه، والرحمُ رحمَه. . . وهكذا، وتشتَّت المسلمون، واستبدَّت بينهم الفُرقَة والخِلاف، كلُّ ذلك بسبب أمورٍ بسيطةٍ، وأكثر ما تكون بسبب زَبَد الدُّنيا وما فيها.

فالرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أحدُنا أن يتمنَّى الموت لضُرٍّ نزَل به، ولذَلكَ تجدون أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

وَيَقُولُ بعض العلماء: "لو لم يَرِدْ في الصبر إلا هذه الآية لكَفَتْ".

وفي قصة المرأة التي جَاءَتْ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالت: إِنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ" فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا (١).

لم يهمَّها أن تُصرَع، لكنها لا تريد أن تتكشَّف أمام الرجال، فخَيَّرها رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن تصبِرَ ولها الجنة، وبين أن يدْعُوَ اللَّه لها، فيزول ما بها من سقمٍ ومرضٍ، فما الذي اختارت؟ اختارت أن تبقى على ما هي عليه، اختارت اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والجنة.


(١) أخرجه البخاري (٥٦٥٢)، ومسلم (٢٥٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>