إذًا، هذا أذًى يمسُّها، ويلحق بها، فلما خيَّرها رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين جَنَّةٍ عرضها السموات والأرض، وبين دنيا يمر بِهَا الإنسان، وسيُحَاسب عما فيها، وأن تبقى سعيدةً يزول ما بها من مرضِ، فهي اختارت ما عند اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إذًا، فَلْنَصبر إذا ما ابتُلِينا، ولا ننسى أنَّ ما يصِيبَ المسلم من سَقَمٍ أو مَرَضٍ إنما يُكفِّر اللَّه به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الخطايا والذنوب، ولذلك يُبْتلى الناس على قدر أعمَالهِمْ، الأمثل فالأمثل، فأشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ألم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قيل عنه إنه ساحر؟ وإنه كافر؟ وأُلْقِيَ سلى الجَزُورِ عليه -عليه الصلاة والسلام- وهو قائم يصلِّي؟ ويذهب -عليه الصلاة والسلام- إلى الطائف يَطْلب أناسًا يستَجِيبون لدعوته؛ فيسلطون عليه صغارَهم وسُفهاءَهم ليرْمُوه بالحجارة، ويرجع إلى مكة ولا يدخلها إلا بحماية المُطعِم بنِ عَدِيٍّ.
وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّه بمَصَاعبَ، وتآمَروا على قَتْله، واختاروا من كلِّ قَبِيلةٍ رجلًا؛ ليتفرَّق دمُهُ -عليه الصلاة والسلام-، لكن كما قال اللَّه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١]، وَتَمْضي الأيَّام، ويُؤْذَى رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُلقى بعض أصحابه في شدَّة الرَّمْضاء في صحراء مكة، ينامُ في شدة الحرِّ، وتوضَعُ الصخرةُ على صدْرِه وهو يقول: أَحَدٌ أَحَدٌ.
هذَا هو الإيمان، وكان ممن قبلنا يُنْشَرُون بالمناشير ويظلُّون على إيمانهم، فلماذا إذا أصابت أحدُنا وَعكةً صحِّية، أو تعبًا أو تألمَ، أو سالَ جُرحه دمًا، أو أصابته مصيبة من المصائب، لماذا لا يقول:"إنا للَّه وإنا إليه راجعون"، لماذا يجزع؟ لماذا يلطم؟ لماذا يصرخ؟ إذا تُوفِّي له أب أو ابن أو قريب له يقول:"إن للَّه ما أخذ، وللَّه ما أعطى"، فينبغي أن نصبِرَ، فيقول في هذا المقام:"إنا للَّه، وإنا إليه رَاجعون، اللهم أجْرُني في مُصِيبَتِي، واخلُف لي خيرًا مِنها"، مَنْ فعل ذلك، فإن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيُخْلِفُه في مصيبتِهِ؛ لأنَّ رسول اللَّه -وهو الصادق المصدوق- قد أخبر عن ذلك، وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقول إلا حقًّا.