حديث الرِّواية التي ذَكَرهَا المؤلف، وهي في "الصحيحين": "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِع الوُضُوءِ مِنْهَا"، وهذه الَّتي أمَرَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتَغْسِيلِها هي ابنته زينب -رضي اللَّه عنها-، وهي أكبَر بَناتِهِ، وهي زَوْجة أبي العاص، وهنا لم يذكرها المؤلف في رواية "الصحيحين"، لكنه جاء التنصيص عليها في روايةٍ عند مُسْلِمٍ، فهي زينب، وهي أكبر بنات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي زوجة أبي العاص.
هذا الَّذي يريد أن يتكلم المؤلف عنه هو قضية المُعَارضة، وهو ما جاء في العموم أن الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"اغْسِلْنَها بِمَاءٍ وسِدْرٍ"، وفي قصة الذي رفسته دابته:"اغسلوه بماءٍ وسدرٍ"، قال المعارضون: لم يرد ذِكْرٌ للوضوءِ، فلَوْ كان الوضوء مطلوبًا لبيَّنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغسلنها بماءٍ وسدرٍ، واجعلنها في الآخر كافورًا أو شيئًا من كافورٍ"، "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثيابه، ولا تغطوا رأسه، ولا تمسوه طيبًا، فإنه يُبْعَث يوم القيامة مُلبِّيًا"؛ وهذا في قصة الرجل الذي كان في أيام الحج مسافرًا، فوقصته دابته.
قالوا: جاء مطلقًا، ولم يرد فيه الوضوء، والوضوء جاء في هذه الرواية، فهل نأخذ بالعموم أو نأخذ بالخصوص؟
هذه مسألةٌ فيها خلاف: هل يُقَدم العموم على الخصوص أو يُقَدم الخصوص على العموم؟ هل يُقْضى بالمطلق على المُقَيد أو بالمُقَيد على المطلق، الصحيح أنه يُقَدم الخاصُّ على العامِّ؛ لأنه تخصيصٌ لبعض أفراده، وكذلك المُقَيد على المُطلَق، لكن ابن حزم خالف في هذه الناحية، وكثيرًا ما يُشير المؤلف إلى هذه القضية؛ لأنه يعرف ابن حزم وأصوله، وهو أيضًا ممن عاش في الأندلس.