للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَصْحَابُهُ (١)، وَسَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَنْ شَرَطَ التَّوْقِيتَ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ بَلِ اسْتَحَبَّهُ: مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلأَثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ؛ لأنَّ فِيهِ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ" (٢)، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: "أَوْ سَبْعًا" (٣). وَأَمَّا قِيَاسُ الْمَيِّتِ عَلَى الْحَيِّ فِي الطَّهَارَةِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَوْقِيتَ فِيهَا كَمَا لَيْسَ فِي طَهَارَةِ الْحَيِّ تَوْقِيتٌ. فَمَنْ رَجَّحَ الأَثَرَ عَلَى النَّظَرِ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ. وَمَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَ الأَثَرِ وَالنَّظَرِ حَمَلَ التَّوْقِيتَ عَلَى الاسْتِحْبَابِ).

لَا شكَّ أنَّ الوقوف عند الأثر أَوْلَى، لكن ينبغي أن نتلمَّس العلة، أحيانًا تكون العلَّةُ والحكمةُ ظاهرةً، فَمَا المراد من تغسيل الميت؟ لا شكَّ أن المراد من تغسيل الميت هو تطهير بدنه، وإزالة ما علق فيه من نَجَاسةٍ، أَوْ ما خرج من ذلك البدن، فَبَعْض العلماء يرَى أن هناك حدًّا أعلى يُنْتهى إليه، وبعضهم قال: لَا، كلُّ ما خرَج من البدن، فينبغي أن يُغسَل إلى أن يُنقى.

(وَأَمَّا الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْقِيتِ، فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ رَأَى أَلَّا يَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ، لأَنَّهُ أَقَلُّ وِتْرٍ نُطِقَ بِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ).

لكن الشافعيَّة يرون ألا ينقص عن ثلاثةٍ فيما هو الأفضل والمستحب، لكن الواجب عندهم هي غسلُهُ واحدةً كالحنابلة.


(١) يُنظر: "المدونة" (١/ ٢٦٠)؛ حيث فيها: "قال مالك: وأحب إلي أن يغسل ثلاثًا كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثًا وخمسًا بماء وسدر، ويجعل في الآخرة كافورًا إن تيسر ذلك". هذه رواية ابن وهب".
(٢) أخرجه البخاري (١٢٥٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>