للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما غيره من الأموات فإنه يُستحب تطييبه وتجْمِيرُهُ، ووضع الحنوط في كفنه، فهذا أمرٌ طيب؛ حتى يودع الدنيا ويقبل على الرب -تبارك وتعالى- وهو على أفضل هيئة وأحسن حال.

وقول المؤلف: (اخْتَلَفُوا فِيهِ) فيه فائدة:

فمع أن المسألة قد ورد فيها نص ثابت إلا أن العلماء مع ذلك اختلفوا؛ لأن أهل العلم إنما يختلفون من جهة تعليل الأحكام، واستخراج الأحكام واستنباطها من النصوص وتوجيهها، فليس الخلاف لقصد مخالفة النص، أو الإعراض عنه واستبداله بالأهواء ومستحسنات العقول، وإنما هو خلاف في الاستدلال والاستنباط من النصوص، واستخراج الأحكام منها؛ فليتنبه لهذا.

(وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْخُصُوصِ، فَأَمَّا الْخُصُوصُ: فَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجُلٍ وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ فَمَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: "كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تَقْرَبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي" (١). وَأَمَّا الْعُمُومُ: فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنَ الأَمْرِ بِالْغُسْلِ مُطْلَقًا).

الأمر بالغسل مطلقًا كقوله: "اغسلوه بماءٍ وسدر" في هذا الحديث، وكذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: "اغسلنها بماءٍ وسدر"، و"اغسِلْنَها ثلاثًا أو خمسًا".

(فَمَنْ خَصَّ مِنَ الأَمْوَاتِ الْمُحْرِمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَتَخْصِيصِ الشُّهَدَاءِ بِقَتْلَى أُحُدٍ جَعَلَ الْحُكْمَ مِنْهُ -عليه الصلاة والسلام- عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمًا عَلَى الْجَمِيعِ. وَقَالَ: لَا يُغَطَّى رَأْسُ الْمُحْرِمِ وَلَا يُمَسُّ طِيبًا).

يعني: التخصيص بقتلى أُحُدٍ أن شهيد المعركة لا يصلى عليه، ومع ذلك فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد صلى على شهداء أحُدٍ في قبورهم بعد موتهم بثماني سنوات،


(١) أخرجه البخاري (١٢٦٥)، ومسلم (١٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>