للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق ذكر الشهداء، وأنهم مَخْصُوصون بأحكام ليست لغيرهم؛ خصوصًا الذين يقتلون في المعركة، فإنهم يُدفنون في ثيابهم، ولا يُغسَّلُون ولا يُصلَّى عليهم، وجاء في الأحاديث أن الشهيد يُبعث يوم القيامة وجراحاته تنزف دمًا، اللون لون الدم والريح ريحُ المِسْكِ.

والمراد على أي حال أن المُحرِمَ له أحكامٌ تخَصُّه؛ لأنه مات وهو متلبِّسٌ بعباده، مات وهو يؤدي رُكنًا من أركان الإسلام، وسُنةً من سُنن هذه الشريعة، إذًا فقد مات في عبادة، فعُومل معاملةً خاصةً.

(فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ مَالِكٌ (١)، وَأَبُو حَنِيفَةَ (٢): الْمُحْرِمُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٣): لَا يُغَطَّى رَأْسُ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا).

وقال أحمد (٤) بقول الشافعي.


(١) يُنظر: "عيون المسائل" للقاضي عبد الوهاب المالكي (ص: ١٦٤)؛ حيث قال: "ويفعل بالميِّت محرمًا ما يفعل بالحلال".
(٢) يُنظر: "التجريد" للقدوري (٣/ ١٠٥٢)؛ حيث قال: "قال أصحابنا: إذا مات المُحْرِمُ فعل به ما يفعل بغيره من تخمير رأسه وتطييبه".
(٣) يُنظر: "كفاية النبيه في شرح التنبيه" لابن الرفعة (٥/ ٥٦)؛ حيث قال: "قال: فإن كان -أي: الميت- محرِمًا لم يقرب الطِّيبَ، ولا يلبس المخيط -أي: إذا كان رجلًا- ولا يخمر رأسه، لما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: وقصَتْ برَجُلٍ مُحْرِم ناقتُه فقتلته، فأتي به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبًا، فإله يبعث مهِلًّا"، فنص على حكمين من أحكام الإحرام، ونبه على أن العلة الإحرام؛ فوجب اطراد جميع أحكامه، ولأنه محرم لا يخرج من إحرامه بفعله؛ فوجب ألا يبطل بموته كالحي".
(٤) وهو مذهب الحنابلة، يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ٣٥١)؛ حيث قال: " (ومحرم) بحج أو عمرة (ميت ك) محرم (حي) فيما يمنع منه (يغسل بماء وسدر) لا كافور (ولا يقرب طيبًا) مطلقًا، ولا فدية على من طيبه ونحوه، (ولا يلبس ذكر المخيط) نحو قميص، (ولا يغطى رأسه) أي المحرم الذكر، (ولا) يغطى (وجه أنثى) محرمة ولا يؤخذ شيء من شعره ولا ظفره لحديث ابن عباس مرفوعًا في محرم مات: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا". متفق عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>