للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد تُوقِعُ الإنسان في بعض الزلل، وربما توقعه في نَوْعٍ من أنواع الشِّرك، فأولئك الذين يَتَرددون على القبور، ويطوفون حولها، ويطلبون من أهلها الشفاعة أو الوساطة، أو أن يشفي لَهم مريضًا، أو أن يرفع عنهم كربًا، ويتجهون إلى هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ويُعرضون عن الخالق الذي بيده ملكوت السموات والأرض، لا شك أن هذا أمر غير جائز، ولا ينبغي لمسلمٍ أن يسلك هذا الطريق.

إذًا، الكلام هنا عن الصلاة فيمن فاتته الصلاة على الميت؛ هل يصلي؟ وهل يذهب إلى القبر فيصلي عليه؟ ثبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه فعل ذلك في قصة المسكينة التي أرشد فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه بأنها إذا ماتت أن يؤذنوه، فماتت المرأة ليلًا، وأُخْرجت جنازتها، وصُلِّي عليها ودُفِنَتْ، فلما فقد ذلك رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أُخْبِرَ من قِبَلِ الصحابة، ثم بعد ذلك سألهم: "ألست قد ذَكَرت لكم أن تؤذنوني بموتها؟ "، أو: "ألَمْ أقُلْ لكم آذنوني؟ "، فَبيَّنوا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّهم ما أرادوا أن يؤثِّروا عليه، وأن يوقظوه من نومه، فَذَهب رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومَنْ معه، وَصلَّى على قبرها، كَذَلك في قصة الرجل الذي كان يقمُّ المسجد؛ فإنه بعد أن فَقَده رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برهةً من الزمن، سأل عنه، فذهب وصلَّى على قبره (١).

إذًا، الصلاة على القبر جَائزةٌ، ولكن العلماء يختلفون في القدر المحدد لذلك، هل هو ليلة، أو ثلاثة أيام، أو شهر (٢)؟ فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) أخرجه النسائي (٢٠٢٢)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (٧٧٨٩ - ٢٨٩١).
(٢) يُنظر: "الأوسط" لابن المنذر (٥/ ٤١٤). حيث قال: "وقالت طائفة: يصلى على القبر إلى شهر للغائب من سفر، وإلى ثلاث للحاضر، هكذا قال إسحاق، وحكاه عن عبد الرحمن بن مهدي".
ويُنظر: "المجموع" للنووي (٥/ ٢٤٧)، حيث قال: "إذا حضر من لم يصل عليه بعد دفنه وأراد الصلاة عليه في القبر أو أراد الصلاة عليه في بلد آخر جاز بلا خلاف للأحاديث السابقة في المسألة الثانية وإلى متى تجوز الصلاة على المدفون فيه ستة أوجه (أحدها) يصلى عليه إلى ثلاثة أيام ولا يصلى بعدها حكاه الخراسانيون وهو المشهور عندهم (والثاني) إلى شهر (والثالث) ما لم يبل جسده (والرابع) يصلي عليه =

<<  <  ج: ص:  >  >>