للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه قد ورد أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدِمَ من سفرٍ، فصلَّى على رجل بعد شهر (١)، لكنهم اختلفوا، فبعضهم يقول: إلى أكثر من ذلك؛ لأن كَوْن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى على هذه الجنازة بعد شهرٍ، ليس معنى هذا أن ما زاد على ذلك لا تجوز الصلاة عليه، وإنما بعضهم قال: يُصَلَّى على الميت إلى الأبد. ويستدلون بقصة شهداء أُحُد؛ فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج بعد مُضي ثمانِ سنوات من دفنهم، فصلَّى عليهم (٢)، وبَعْضهم يُعلِّل ويقول: إن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى عليهم في آخر حياته؛ توديعًا للأحياء والأموات.

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ العَمَلِ لِلْأَثَرِ، أَمَّا مُخَالَفَةُ العَمَلِ، فَإِنَّ ابْنَ القَاسِمِ قَالَ. . .).

دَائمًا إذا ذَكَر المؤلِّفُ هنا العملَ ومعارضتَه للأثر، فيقصد به عمل أهل المدينة، وَمَعْروفٌ أن المالكيَّة يأخذون بعَمل أهل المدينة، وَلَكن غيرهم لا يُعَارضون به الأدلة، والأدلَّة قد ثَبتَتْ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه صلَّى على جنائزَ في القبر.

قَالَ: (قُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ، قَالَ: قَدْ جَاءَ هَذَا الحَدِيثُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ العَمَلُ (٣)، وَالصَّلَاةُ عَلَى القَبْرِ ثَابِتَةٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ).

وَيَكْفينا أن يَتَّفقَ أَصْحَابُ الحَديث على مثل ذلك؛ لأنه قَدْ ثبت عن رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من طرقٍ صحيحةٍ أنه صلى على القَبْر، وما دام قد ثبت ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو القدوة، وهو الذي عن طريقه نأخذ الأحكام،


= أي: صحة الصلاة على الغائب والقبر (بمن كان من أهل) أداء (فرضها وقت الموت) دون غيره؛ لأن غيره متنفل وهذه لا يتنفل بها".
(١) أخرجه الترمذي (١٠٣٨)، عن سعيد بن المسيب: "أن أم سعد ماتت والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر"، وضعفه الألباني في "الإرواء" (٧٣٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٤٢)، ومسلم (٢٢٩٦).
(٣) انظر: "المدونة" لمالك (١/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>