للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرواية الثانية: أنّه أجاز المسح على الجوربين (١).

وقد ثبت أنّ أبا حنيفة رَحِمهُ اللهُ تحيَّر زمنًا في المسح على الخفين، فلمَّا تجمعتْ لديه الأدلَّة وتكاثرت ونُقلتْ النصوص واستقرت عنده، وأصَبَحَ منَ الأمور الظَّاهرة البيِّنة المستفيضةِ المشتهرةِ قال: ما قلت بالمسح على الخُفَّين إلا عندما صار عندي كضوء النهار (٢)، وفي رواية: أضوأ من الشمس.

قوله: (وَمِمَّنْ مَنَعَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ)، وقد حققنا قول الشافعي، وبينَّا أنَّ أبا حنيفة له قولان المشهور منهما عنه أنّه قال: بالمنع وَأَخَذَه المؤلف، ولكن نُقِل عنه أنّه رجع عن ذلك، وقال: بالإباحة، وهو قول صاحبيه (٣).

قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّةِ الآثَارِ الوَارِدَةِ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ) (٤).

بعض العلماء يقف عند هذا ويقول: المسح على الجوربين والنعلين، يقصد أنّهما مجتمعان، لكي يفهم الذين قالوا: بعدم جواز المسح على الجوربين، يقولون: في الحديث (أنّه مسح على الجوربين والنعلين) بمعنى: أنهما مجتمعان، ونحن لا نعارض المسح على الجورب المنعل.


(١) يُنظر: "بدائع الصنائع " للكاساني (١/ ١٠) حيث قال: "وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره، وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لعواده: "فعلت ما كنت أمنع الناس عنه".
(٢) وفي "البحر الرائق شرح كنز الرقائق" (١/ ١٧٣): قال أبو حنيفة: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين؛ لأن الآثار التي جاءت فيه فى حيز التواتر.
(٣) تقدم نقل كل هذه الأقوال.
(٤) أخرجه أبو داود (١٥٩)، والترمذي (٩٩) عن المغيرة بن شعبة، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين، والنعلين". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>