للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آبَائهم"، وجواب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في "صحيح مسلم": "اللَّه إذ خلقهم أعلم ما كانوا عليه" (١)، وهو الذي خلقهم، وهو الذي يعلم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما سيكونون لو بَقَوا أحياءً، وعاشوا على هذه الدنيا.

* قوله: (أَيْ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ).

يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّن طريق الهداية، وبيَّن طريق الغواية (٢)، وأرشد الناس إلى سلوك طريق الهداية، وبيَّن لهم كل الأسباب، وأوضح لهم طريق النجاة، وبيَّن لهم صراطه المستقيم، واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يأمرهم بأن يعبدوا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يشركوا به شيئًا، لكن يوجد من الناس مَنْ تغلب عليه الشقاوة، ويختار طريق الشقاوة على طريق السعادة فيزل.

* قوله: (وَدَلِيلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ" (٣) أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ المُؤْمِنِينَ).

وهذا دَليلٌ متفقٌ عليه، وهو قَوْله عليه الصلاة والسلام: "كُلُّ مَوْلودٍ يُولَد على الفِطْرَةِ"، فالأصلُ في الإنسان أنه يولَد على الفطرة، على الحنيفية السمحة، على ملة إبراهيم، فالدين عند اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الإسلام: "كلُّ مَوْلودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه ولم يرد في الحديث: "أو يسلمانه"؛ لأنه في الأصل مولود على الفطرة.

وفي قصة المرأة التي سألها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا قال لها: "أين اللَّه؟ "،


(١) تقدم قريبًا.
(٢) الغواية: الضلال. انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (ص: ٦٨٧).
(٣) أخرجه البخاري (١٣٨٥)، ومسلم (٢٦٥٨)، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها في جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>