للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَقَوْلُه: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: ٣١]).

والآية من سورة المائدة في ذكر قصة ابني آدم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} إلى أن قال: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: ٢٧ - ٣١]؛ أي: يفحص في الأرض يدله كيف يواري جثمان أخيه القتيل.

فانظر رحمك اللَّه! طوعت له نفسه قتل أخيه بغيًا وحسدًا بعد أن أغواه الشيطان فقتل أخاه، الذي كان يعتضد به ويتقوى؛ أخاه الذي كان يأنس به من الوحشة، ويستعين به على أموره، ويتسلى به في حياته، خسر كل هذا في لحظة أطاع فيها نفسه الأمارة بالسوء، وإغواء الشيطان الرجيم، ولم يخش اللَّه تعالى في عاقبة فعله، فأخوه إنما امتنع عن بسط يديه إليه بالأذى خوفًا من اللَّه تعالى، أما هو فلم يراع هذا المقام، وغلبت عليه نفسه، ودفعه حسده على أخيه فقتله، فأصبح من النادمين، ولكن لات حين مندم.

ثم وقع في حيرة ماذا يفعل في جثمان أخيه، فأرسل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إليه غرابًا، فصار يبحث في الأرض ليدفن الغراب، قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}، فطفق يفعل كفعل الغراب ووارى سوءة أخيه.

فينبغي على المرء المسلم أن يتقي اللَّه تعالى ويعتصم به، ولا يفسح للشيطان مجالًا يدخل إليه منه ويستولي على نفسه ويقودها إلى المهالك، وينبغي أن يتحرز من خطواته ومداخله والثغرات التي ينفذ إليه منها، خاصة في حال الغضب؛ فإنها من أكثر الأحوال التي يستولي فيها الشيطان على الإنسان، ويوجهه إلى السوء ويؤزه (١) على كل شر.


(١) أزه به يؤزه أزًّا: أغراه وهيجه وأزه: حثه. انظر: "المحكم والمحيط الأعظم"، لابن سيده (٩/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>