للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك لما جاء رجل يستوصي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصية جامعة للخير، قال له عليه الصلاة والسلام: "لا تَغضَبْ" والرجل يستوصيه مرارًا وهو يقول: "لا تَغضَبْ" (١)، جملة واحدة لم يزد عليها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن المرء إذا غضب واستولى عليه غضبه فإنه يذهب عقله، وربما وقع فيما يهلكه، أو يتكلم بما يفسد عليه حياته، أو يضر عزيزًا عليه، أو يردي نفسه في مهلكة لا نجاة منها، ولا ينفعه بعدها ندم ولا أسف، ولا تجدي معذرة ولا استعتاب.

ففي هذه الحال اتبع ابن آدم نفسه الأمارة، وسمع لغواية الشيطان حتى أوقعه في خطيئة مهلكة، وهي القتل، وليس ككل قتل، بل قتل أخاه، فكان ذنبًا أبشع وخطيئة أفظع، واللَّه تعالى يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: ٩٣].

وكذلك دأب الشيطان دومًا، يسد عليه طرائق الخير ويقعد له عليها يصرفه عنها ويحرفه عن الصراط المستقيم، فتراه يسعى إلى أن يفسد على الإنسان أعماله، ويُكتر التشويش على العبد في عبادته، فيوسوس له في صلاته.

ولذلك أرشد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فلم يَدرِ كَمِ صلَّى أثلاثًا أمْ أربعًا؟ فليطرَحِ الشَّكَّ وليبنِ على ما استيقنَ؛ فإن كان صلَّاها خَمسًا شفَعنَ لَه صلاتَه، وإن كَانَ صلَّاها أربع" -هذا في الرباعية- "كانتَا تَرغيمًا للشَّيطان" (٢). أي: دحرًا، وإذلالًا، وكيدًا له.

وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمن دومًا؛ فإن الشيطان عدوه، فعليه دائمًا أن يغلق دونه الأبوِاب ويقطع عليه السبل، ويسد عليه المداخل، مستعينًا باللَّه عليه، مستعيذًا باللَّه منه، ومن يعتصم باللَّه فقد هدي إلى صراط مستقيم.


(١) أخرجه البخاري (٦١١٦).
(٢) أخرجه مسلم (٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>