للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَكَرِهَ مَالِكٌ (١) وَالشَّافِعِيُّ (٢) تَجْصِيصَ القُبُورِ).

هذه من المسائل التي لها تعلق مباشر بصحة المعتقد؛ فهي تدرس فيما يعرف بعلم العقيدة، وتوحيد اللَّه سبحانه هو أصل العلوم وأفضلها، فما تعلمت العبيد شيئًا أفضل من التوحيد؛ ولذلك عندما جاء جبريل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجلس بين يديه، ووضع كفيه على ركبتيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، قال: "الإسلامُ: أن تشهدَ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ"، فبدأ أول ما بدأ بالشهادتين، ثم ثنَّى فقال: أخبرني عن الإيمان، قال: "أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". رواه مسلم (٣).

هذا هو التوحيد؛ فلا ينفع عمل إنسان إذا كان توحيده فاسدًا.

يقول اللَّه عزَّ وجلَّ في شأن الكفار: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣]؛ أي: صارت أعمالهم كلها ضائعة لا قيمة لها؛ فالتوحيد هو الأصل الذي ينبغي أن تُبنى عليه بقية الأمور، ومنها: العبادات كالصلاة، والزكاة، والصوم والحج وغيرها، فينبغي أن يكون صحيحًا، وأي خلل في هذا الأصل يُوجِد نقصًا في سائر العبادات.

ولا شك أن التقصير في أمر العقيدة يختلف باختلاف الأحوال؛ فمن أشرك مع اللَّه غيره فقد كفر، ولكن قد يحصل من الإنسان أن يرتكب بعض المعاصي التي لا تُخرجه عن الدين، لكنها تكون قادحةً في إيمانه؛ ولذلك يقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يزني الزَّاني حينَ يزني وهوَ مؤمِنٌ، ولا يسرقُ السَّارقُ حينَ يسرقُ وهوَ مؤمنٌ". رواه مسلم (٤).


(١) يُنظر: "المدونة"، لابن القاسم (١/ ٢٦٣)؛ حيث قال: "وقال مالك: أكره تجصيص القبور والبناء عليها وهذه الحجارة التي يبنى عليها".
(٢) يُنظر: "الأم"، للشافعي (١/ ٣١٦)؛ حيث قال: "ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة".
(٣) أخرجه مسلم (٨).
(٤) أخرجه مسلم (٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>