للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول العلماء: لا يُنزع عنه الإيمان نزعًا كاملًا، ولكنه يكون بمثابة غيمة تُظلِّل، فإذا ما ترك الذنب عاد إليه الإيمان (١).

والإيمان يزيد وينقص، كما أخبر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بذلك في كتابه العزيز في سورة الأنفال، يقول اللَّه سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} من صفاتهم: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ١ - ٤].

فمسألة تجصيص (٢) القبور والبناء عليها من المسائل المرتبطة بعلم العقيدة.

وتجصيص القبور لا يجوز؛ لأن في ذلك تزيينًا لها (٣)، والميت رجل قد ودَّع الدنيا، وأفضى إلى ما عمل، والتزيين إنما يكون في أمور الدنيا، فلا ينبغي أن تُزيَّن القبور؛ لأن الميت إذا وضع في قبره ليس في حاجة لأنْ تزين قبره، بل هو في حاجة إلى أن تدعو له، وتسأل اللَّه له الرحمة والمغفرة، وتسأل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له التثبيت في قبره، ولقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا وقف عند القبور أوصى أصحابه أن يدعوا للميت، وأن يستغفروا له، وأن يسألوا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له التثبيت، ويقول: "إنه الآن يُسأل" (٤).


(١) يُنظر: "شرح النووي على مسلم"، للنووي (٢/ ٤١)؛ حيث قال: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون: أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره. . . وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: "من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة وإن زنى وإن سرق".
(٢) التجصيص: بناؤها بالجص وهي النورة البيضاء. انظر: "مشارق الأنوار"، للقاضي عياض (١/ ١٥٨).
(٣) قال عميرة في "حاشيته": "وحكمة النهي التزيين. أقول: وإضاعة المال لغير غرض شرعي". انظر: "حاشية قليوبي وعميرة" (١/ ٤١١).
(٤) للحديث الذي أخرجه أبو داود (٣٢٢١) عن عثمان بن عفان، قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم، وسلوا له بالتثبيت؛ فإنه الآن يسأل". وصححه الألباني في "المشكاة" (١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>