للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى فرعون الذي بلغ القوة والقسوة والجبروت مبلغًا كبيرًا، وادعى الألوهية بقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، وقال: {. . . يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: ٣٦، ٣٧] عندما رجع إلى فطرته قال: {. . . يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: ٣٦، ٣٧]، لم يقل: احفر لي في الأرض، هو لا شك يدرك في دخيلة نفسه أن اللَّه موجود، وأنه في السماء قال عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ} [فاطر: ١٠]؛ ولذلك لما لحق بموسى وقومه وأدركه الغرق قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: ٩٠]، لكن لا ينفعه ذلك، فقال اللَّه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: ٩٢].

جُمْلة القول في قول الأصوليين: الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: أي: أنهم يعاقبون عقابًا زائدًا على تركهم لفروع الشريعة، زيادة على عقابهم لترك الإيمان (١)، لا أن الزكاة تجب في حقهم؛ ولذلك يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في شأنهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} [المدثر: ٤٢ - ٤٨] (٢).


= ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول اللَّه، أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها، فقال لها: "أين اللَّه؟ " قالت: في السماء، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول اللَّه، قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة".
(١) يُنظر: "شرح الكوكب المنير"، لابن النجار (١/ ٥٠٣)؛ حيث قال: "والفائدة -أي: فائدة القول بأنهم مخاطبون بفروع الإسلام-: كثرة عقابهم في الآخرة، لا المطالبة بفعل الفروع في الدنيا، ولا قضاء ما فات منها".
(٢) يُنظر: "شرح الكوكب المنير"، لابن النجار (١/ ٥٠٤)، حيث قال: "من فوائد القول بأنهم مخاطبون بالفروع: تيسير الإسلام على الكافر، والترغيب فيه، والحكم بتخفيف العذاب عنه بفعل الخير وترك الشر إذا علم أنه مخاطب بها أو بفعلها".

<<  <  ج: ص:  >  >>