للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى تطهير؛ لأن التطهير لا يقتصر على ذات المزكِّي، وإنما يشمله ويشمل ماله، والقصد بتطهير المزكي هو أن ترتفع نفسه عن الشح والبخل حتى يبذل المال الذي فيه مواساة للفقراء، وكذلك فيه تطهير للمال حتى لا تصيبه جائحه (١)، ولا ينزل به ضرر من الاضرار؛ لأن المقصود من الزكاة -كما هو معلوم- أنها مواساة للفقراء (٢)، وشكر من الغني للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن منحه هذا المال.

خلاصة قولهم: قالوا: {تُطَهِّرُهُمْ}، هنا لا يلزم أن يكون التطهير شرطًا، فقد يكون بعض المزكين التطهير ليس شرطًا في حقه كالحال بالنسبة للمجنون والصغير، لكنها أيضًا تطهير لماله.

- الرد على الدليل الثاني: أما بالنسبة لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة"، قالوا: إن الإثم مرفوع عن الصبي والمجنون، والزكاة لا تجب عليهما، وإنما تجب في أموالهم، وعلى هذا فلا نرى تعارضًا بين ما ذهبنا إليه وبين الحديث، والذي يقوم بأداء هذه الزكاة هو ولي اليتيم وولي المجنون.

- الرد على الدليل الثالث: قالوا: بالنسبة للقياس على الحج، فهو قياس مع الفارق؛ لأن المال ليس ركنًا في الحج، أما الزكاة فالمال ركن فيها؛ لأن الزكاة عبادة فيها حقان؛ حق للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أداء المال استجابة للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونزولًا عند أمره، وفيها حق للفقراء والمساكين؛ لأن فيها مواساة لهم ورفعًا لفقرهم.


(١) الجائحة: هي الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة. انظر: "الصحاح"، للجوهري (١/ ٣٦٠).
(٢) يُنظر: "الأشباه والنظائر"، للسبكي (٢/ ٢٦٧)؛ حيث قال: "المغلَّب عند الشافعي -رضي اللَّه عنه- في الزكاة معنى المواساة ومعنى العبادة تبع له، ومعنى هذا أنها مؤنة مالية وجبت للفقراء على الأغنياء فجانب الفقراء وهم المعطَوْن هم المقصود بالذات سدًّا لخلتهم، وجانب الأغنياء مغلوب. وقال أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المغلب فيها معنى العبادة والمواساة تبع، وجانب الأغنياء غالب، وهو المقصود بالذات رياضة للنفس، لئلا تطغى بالمال وتجرها كثرته إلى ما لا ينبغي".

<<  <  ج: ص:  >  >>