للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ (١) إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنَ الْفَرَائِضِ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ وُجُوبَهَا. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ اسْمُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ الْعَمَلِ فَقَطْ، أَوْ مِنْ شَرْطِهِ وُجُودُ الْعَمَلِ مَعَهُ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ وُجُودَ الْعَمَلِ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالشَّهَادَةِ إِذَا صدَّقَ بِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْجُمْهُورُ -وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ- عَلَى أَنَّهُ).

هناك من يلبس الأمور؛ هناك من يطلق أهل السنة، ويقصد بهم الأشاعرة أحيانًا، لكن من هم أهل السنة؟ أهل السنة هم الذين أشار إليهم الإمام الشافعي، وهم الذين قالوا إنَّ الإيمان قولٌ، وعملٌ، ونيةٌ، وهذا أجمع عليه أصحاب رسول اللَّه، إذن لا خلاف في المسألة بين أصحاب رسول اللَّه، ولا بين التابعين لهم بإحسانٍ، ولا بين تابعيهم ممن عرفوا الحق، لكن -كما هو معلومٌ- دخلت علومٌ على الأمة الإسلامية، ووُجد من أعداء الإسلام من دخلوا في صفوف المسلمين، فدسوا السُّم -كما


= إلّا اللَّه فمن قال لا إله إلّا اللَّه فقد عصم نفسه وماله". وكان هذا من عمر -رضي اللَّه عنه- تعلقًا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فقال له أبو بكرٍ: إنَّ الزكاة حق المال يرد أنَّ القضية التي قد تضمنت عصمة دمٍ ومالٍ معلقة بإيفاء شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يجب بأحدهما والآخر معدومٌ، ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها، فكان في ذلك من قوله دليلٌ على أنَّ قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعًا من رأي الصحابة، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه، فاجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر بالعموم، ومن أبي بكر بالقياس، ودل ذلك على أنَّ العموم يخص بالقياس، وأن جميع ما يتضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد من شرطٍ واستثناء مراعى فيه ومعتبرٌ صحته به، فلما استقرَّ عمر -رضي اللَّه عنه- صحة رأي أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه- وبان له صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله: فلما رأيت أنَّ اللَّه قد شرح صدر أبي بكرٍ عرفت أنه الحق، يُشير إلى انشراح صدره بالحجة التى أدلى بها والبرهان الذي أقامه نصًّا ودلالةً".
(١) هذا مذهب الخوارج، يُنظر: "المعلم بفوائد مسلم" للمازري (١/ ٢٨٩)؛ حيث قال: "وقالت الخوارج: تضره المعصية ويكفر بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>