والمسجد الثالث الشرقي كان لنا … والمنبران وفصل القول في الخطب أيامَ لا منبر في الناس نعرفه … إلّا بطيبة والمحجوج ذي الحجب وكان هؤلاء المتمسكون بدينهم من الأزد محصورين بجواثا إلى أن فتح اللَّه على المسلمين اليمامة فقال بعضهم: وهو رجل من بني بكر بن كلاب يستنجد أبا بكرٍ: ألا أبلغ أبا بكرٍ رسولًا … وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى قومٍ كرامٍ … قعودٍ في جواثا محصرينا كأنَّ دماءهم في كل فجٍّ … دماء البدن يغشي الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا … وجدنا النصر للمتوكلينا والصنف الآخر: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب آدائها إلى الإمام، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغيٍ، وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمان خصوصًا لدخولهم في غمار أهل الردة فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة إذ كانت أعظم الأمرين وأهمهما، وأرخ مبدأ قتال أهل البغي بأيام علي بن أبي طالبٍ إذ كانوا متفردين في زمانه لم يختلطوا بأهل شركٍ، وفي ذلك دليلٌ على تصويب رأي عليٍّ -رضي اللَّه عنه- في قتال أهل البغي وأنه إجماع من الصحابة كلهم، وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها إلّا أنَّ رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع فإنهم قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه-، فمنعهم مالك بن نويرة عن ذلك وفرَّقها فيهم، وقال في شعرٍ له: فقلت لقومي هذه صدقاتكم … مصررة. . . أخلافها لم تجرد سأجعل نفسي دون ما تتقونه … وأرهنكم يومًا بما قلته يدي وقال بعض شعرائهم ممن سلك هذه الطريقة في منع الزكاة يحرِّض قومه ويأمرهم على قتال من طالبهم بها: أطعنا رسول اللَّهِ ما دام بيننا … فيا عجبًا ما بال ملك أبي بكرٍ وإنَّ الذي سألوكم فمنعتم … لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر سنمنعهم ما دام فينا بقيةٌ … كرامًا على العراء في ساعة العسر قلت: وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف، ووقعت الشبهة لعمر -رضي اللَّه عنه-، فراجع أبا بكر -رضي اللَّه عنه- وناظره، واحتج عليه بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله =