للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُذْكَرُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافُهُمْ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْتَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَذْهَبِ، لَمْ نَرَ أَنْ نتَعَرَّضَ لَهُ إِذْ كَانَ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِغَرَضِنَا مَعَ أَنَّهُ يَعْسُرُ فِيهَا إِعْطَاءُ أَسْبَابِ تِلْكَ الْفُرُوقِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا اسْتِحْسَانِيَّةٌ، مِثْلُ تَفْصِيلِهِمُ الدُّيُونَ الَّتِي تُزَكَّى مِنَ الَّتِي لَا تُزَكَّى، وَالدُّيُونَ الْمُسْقِطَةَ لِلزَّكَاةِ مِنَ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا. فَهَذَا مَا رَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَنْ تجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَشُرُوطُ الْمِلْكِ الَّتِي تجِبُ بِهِ، وَأَحْكَامُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ. وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ حُكْمٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ: مَاذَا حُكْمُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَلَمْ يَجْحَدْ وَجُوبَهَا؟ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ (١) -رضي اللَّه عنه- إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَبِذَلِكَ حَكَمَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ مِنَ الْعَرَبِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَاتَلَهُمْ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُمْ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ، وَبِقَوْلِ عُمَرَ قَالَ الْجُمْهُورُ (٢)،


(١) أخرج البخاري (٧٢٨٤)، ومسلمٌ (٢٠): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَب، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْم: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولوا: لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقَهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَذونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: "فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ".
(٢) يُنظر: "معالم السنن" للخطابي (٢/ ٣)؛ حيث قال: "ومما يجب تقديمه في هذا أن يعلم أنَّ أهل الردة كانوا صنفين صنف منهم ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: "وكفر من كفر من العرب"، وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما: أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة، وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم، وهذه الفرقة بأسرها منكرةٌ لنبوة محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- مدعيةٌ النبوة لغيره، فقاتلهم أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه- حتى قتل اللَّه مسيلمة باليمامة، والعنسي بصنعاء، وانفضت جموعهم وهلك أكثرهم، والطائفة الأُخرى ارتدوا عن الدين وأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة =

<<  <  ج: ص:  >  >>