للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَبَّهَ سَائِرَ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ بِالْقَوْلِ قَالَ: جَمِيعُ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ).

الحقيقة أنَّ الخلاف في هذه المسألة ليس كما ذكر المؤلف، وإنما الأمر كما ذكرتُ قبل في المقدمة، فسبب الخلاف عند من يقول بأنه لا يُورّث ولا يُصلّى عليه، وهذه روايةٌ رُويت عن الإمام أحمد، ودليل هؤلاء العلماء ما حصل من أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنه-، وكذلك ما حصل من توقف الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ فأبو بكرٍ أراد قتالهم، وعمر وبعض الصحابة توقَّفوا ثم رجعوا، فالذين يقولون بالكفر قالوا: أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه- وقف وأصرَّ على قتال مانعي الزكاة، وقال: أن تشهدوا أنَّ قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة. لا شك أنَّ مراده: الشهادة الظاهرة، وإلا فإنَّ هذه أمورٌ -كما هو معلوم- لا يعلمها إلا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الأمر كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُوشِك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار"، قيل: بمَ يا رسول اللَّه؟ قال: "بالثناء الحسنِ والثناء السيئِ".

وقد مرَّت جنازتان، أُثني على الأولى منهما خيرًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وجبت"، وذُكرت الثانية بِشرّ، فقال: "وجبت"، فبيّن الرسول أن هذه وجبت لها الجنة، وهذه وجبت لها النار، هذه وجبت لها الجنة؛ لأن المؤمنين شهدوا لصاحبها بالخير والإحسان والفضل، وتلك شهدوا عليها بالشر، وبمحاربة دين اللَّه.

وقد قال أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه-: قتلانا في الجنة؛ لأنهم امتطوا سيوفهم، وجردوها ونادحوا عن دين اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقاتلوا عن دين اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل اللَّه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: ١١١]، فمن قُتل في مثل هذه المعارك شهيدًا في سبيل اللَّه، سيجد جزاء الشهداء عند اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران: ١٦٩]؛ فهم شهداء، وأما الذين يقاتلون ضد دين اللَّه فإن مصيرهم إلى النار وبئس المصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>