* وإمَّا أن تكون هذه الأحكام قَدْ جاءت بها السُّنَّة، وَسَكت عنه القرآن.
أمَّا الأَحْكَامُ الَّتي نجد أن الله سبحانه تعالى قَدْ ذكَرها نَصًّا في كتابِهِ، وَكَذلك جاءت سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مُقَرِّرةً لذلك، وهي كثيرةٌ جدًّا، ومن ذَلكَ ما جاء من الأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج، والنهي عن الإشراك بالله سبحانهُ وتعالى، وعن عقوق الوالدين، وعن التولي يوم الزحف، وعن الزنا، وكذلك النهي عن القذف، وغير ذلك من أمور كثيرة، نجد أن القرآن والسُّنَّة قد نصَّا تنصيصًا ظاهرًا على حكمها، فالتقى فيها الكتاب والسُّنة، وبذلك يكون دليل هذه المسائل إنما هو نصٌّ في الكتاب والسُّنة.
وهُنَاك أمورٌ مجملةٌ جاء بها كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ كالحال بالنسبة لمَا يتعلق بأحكام الصلاة من شرائطها وأركانها وواجباتها وسننها، وكذلك الزكاة فيما يتعلق بأنصبتها ومقاديرها، وكذلك ما يتعلَّق بالصيام والحجِّ إلى غير ذلك من المسائل التي جاءت مُجْمَلةً في كتاب الله عزَّ وجلَّ، فنجد أن السُّنة قد جاءت لتُفصِّل تلك الأحكام، فنجد أن الله أمر بالصلاة، وأمر بالزكاة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣].
وقال في الصيام: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة: ١٨٣].
وقال في الحجِّ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران: ٩٧].
جَاءَتْ هذه الأحكامُ مجملةً، وجاءت سُنَّةُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتُبَيِّن هذه الأحكام، وبيان السُّنة ليس خارجًا عن كتاب الله عزَّ وجلَّ، فالله تعالى قد أرشد إلى ذلك في قوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤].