وأن يصبر، وأن يتحمل في سبيل طلب العلم، فلا نتصور أن العلم يأتي بـ "التي" و"اللُّتيَّا"، ولا بـ"ليت""ولو أني"، فلا يمكن أن يتعلم الإنسان بمجرد الأمنيات، أو أن يأتي للحظاتٍ قصيرةٍ ليحضرَ بعض الدروس، أو ربما يقرأ بعض الكتب، لا، العلم لا يَناله إلا مَنْ شَمَّر عن ساعد الجدِّ، وطَرَق الأبواب في الليل الداجي، يصل كَلَال الليل بكَلَال النهار لعله يصل إلى هذا العلم.
أُولَئك العُلَماء الَّذين تَحدَّثنا عنهم سابقًا كانوا يركبون السهل والوعر، فيُسَافرون راكبين إن أَسْعَفهم الحال، وماشين إن ضاقت بهم النفقة، وكان غرضهم من ذلك أن يَسْتفيدوا ولو مسألةً واحدةً من مسائل العلم، ونحن - بحمد الله- في هذا الزمان أصبح العلم ميسَّرًا بين أيدينا، فالجامعات مُفَتَّحةٌ، والمدارس مُشَرَّعةٌ، والمساجد فيها دروسٌ عظيمةٌ هي دروس هذه الشريعة، وفي مقدمتها بيت الله الحرام، ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فعلينا جميعًا أن نستفيد من ذلك، ونستعين بالله سبحانهُ وتعالى على طلب العلم.
والعلم الذي معنا في هذا الكتاب هو علم الفقه، وعلم الفقه قد عرَّفه العلماء بقولهم:"هُوَ العِلْمُ بالأحكام الشرعية المستمدة من أدلتها التفصيلية"(١).
وقَبْلَ أن ندخلَ في لُبِّ هذا العلم، نَوَدُّ أن نُلْقِيَ نظرةً فاحصةً على الأحكام الَّتي نجد أنه تضمَّنها كتاب الله عزَّ وجلَّ، وَسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
فأولًا: نجد أن الكتابَ والسُّنةَ يلتقيان في أمورٍ ثلاثةٍ، هذه الأمور لا يخرج عنها ما في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وما في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
فالأحْكَامُ التي جاء بها كتاب اللهِ عزَّ وجلَّ:
* إما أن تكون أحكامًا صريحة الدلالة مُبَسَّطَة.
(١) يُنظر: "الإبهاج شرح المنهاج" للسبكي (١/ ٢٨)؛ حيث قال: "والفقه: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية".