امرأةٌ دخلت ومعها بنت في يديها سواران من ذهب، وهذا هو الحلي، فكانت متحليةً بهما، وأيضًا جاء الحكم صريحًا، سألها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يُبين لها الحُكم إلا بعد السؤال "أتؤدين الزكاة؟ " قالت: "لا"، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بدلًا من أن يقول لها (زكي) عَرَض عليها أمرًا أشد خطورة، ألا وهو "أيسُرُّك أن يُسَورك اللَّه بهما سوارين من نار؟ "، هذا فيه تخويفٌ، فهي حينئذٍ ارتعدت، فأخذت ما في يدي الفتاة فطرحته بين يدي رسول اللَّه، وقالت: هما للَّه ولرسوله؛ أي: في سبيل اللَّه، فتنازلت عنهما، فهذا دليلٌ صريحٌ على وجوب زكاة الحُلي، وهذا هو أول دليل.
الدليل الثاني: حديث أمِّ سَلَمَة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: (كنت ألبس أوضاحًا من ذهبٍ، فقلت: يا رسول اللَّه، أكنزٌ هو؟ فقال:"ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكي، فليس بكنزٍ".
(أوضاحًا) جمع وضح، وهو صِنف من الحَلي.
انظر كيف كان الصحابة يُعنَون بهذا الأمر؟!، وفي هذا إشارةٌ إلى قول اللَّه -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)} [التوبة: ٣٤ - ٣٥].
قالت:"أكنزٌ هو؟ "، وانظر إلى توجيه النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أُعطي جوامع الكلم، فلقد أعطاها عباراتٍ مختصرةً موجزةً تدل على الحكم وزيادة تأكيده، فقال رسول النه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكي، فليس بكنزٍ".
فيه الزكاة، فأُديت زكاته فليس بكنز، ومفهومه أن ما بلغ أن يُزَكى فلم يُزكَّ فهو كَنزٌ، فيدخل في قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}.
إذًا هذا ذهبٌ تلبسه زوج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أم سَلَمَة، وتسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتتأكد من الحكم، ولتعرف هل ما تلبسه جائز اللبس دون أن يُزكَّى أو لا بد من زكاته، فبيّنَ لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ما بلغ أن يُزكى