فزكي -انظر كيف عقّبَ بعد ذلك بكلمة فيها الفاء- "ما بلغ أن يُزكى" يعني ما بلغ النصاب فليس بكنز، أيضًا هذا دليل صريحٌ ورد في المسألة نفسها التي وقع فيها الخلاف، وهذا حديث حسنٌ أو صحيحٌ، إذن هذا دليل آخر يُضاف إلى الدليل الأول.
الدليل الثالث: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرأى في يدي فتخاتٍ من ورِقٍ، فقال:"ما هذا يا عائشة؟ " فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول اللَّه، قال:"أتؤدين زكاتهن؟ " قالت: لا -أو ما شاء اللَّه- قال:"هو حسبك من النار".
حسبك من النار أي: يكفيك أن تؤدي زكاة هذه، فإن كانت مما تُزكى فأديتِ زكاتها فإنها ستكون حاجزًا يُباعد بينك وبين النار، أما إذا كان الإنسان عنده شيءٌ مما تجب فيه الزكاة فلم يؤد زكاته فهو مُعرَّضٌ للعقوبة، ومن العقوبة التي يُعرَّض لها أن يُعذَّب بالنار.
هذا حديثٌ صحيحٌ، وهذا كما نرى يوضع إلى جانب عموم الأدلة الأخرى، فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه:"في الرقة ربع العُشر"، وقال:"ليس فيما دون خمسِ أواقٍ صدقةٌ"، هذا دليلٌ على النفي، وهذا عامٌّ، قالوا: يشمل ما كان مسبوكًا من الذهب وما ليس مسبوكًا.
لا شك أنَّ الذين قالوا من أهل العلم بعدم الوجوب قالوا إنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"في الرقة رُبع العُشر"، قالوا في الرقة: يُقصَد بها المضروبُ من الدراهم، وهذا هو المعروف.
الفريق الآخر: يقولون بوجوب الزكاة، ويقولون في حديث:"ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة":
هذا دليلٌ على أن المُراد بذلك ما يوزن بالنقدين، ولم يُقصد بذلك الحُلي، لكننا نقول: هذه الأدلة الثلاثة التي أوردناها نصوصٌ في هذه المسألة، لو وُجد منها واحدٌ فقط وكان صحيحًا، لكان كافيًا في الحكم في هذه المسألة، أما عُمدة الذين يقولون بأنه لا زكاة في الحُلي، فهو حديث:"لا زكاة في الحُلي"، لكنه حديث ضعيفٌ.