نأخذ من هذا أنَّ طالب العلم إذا سُئِل عن مسألة من المسائل حتى وإن كان عالمًا فلا يمكن أن يدعي أي إنسان أنه أحاط بالحلم، فإذا كان إمام دار الهجرة الإمام مالك يُفتَى في مسائل فيقوله في كثير منها: لا أدري، والعلماء يقولون: لا أدري نصف العلم، فما هو الأفضل أن تقول: لا أدري، أو أن تُفتي عن جهل فتفتي غيرك في أمر من الأمور، ربما يكون ارتكابه محرمًا، فتكون قد أوقعت هذا المسكين في حرام، أو قد يكون واجبًا فأفتيته بعدم وجوبه فتسببت في أنه ترك واجبًا من الواجبات وما أكثر ما يحصل ذلك، فيجب على طالب العلم أنْ يتورع وأن يخشى اللَّه، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أجرأكم على الفُتية أجرأكم على النار"(١).
ولا يجوز لطالب العلم غير المُتمكن أو المتمكن أن يجاوب ما لم يكن متيقنًا من الجواب، ولكن ليقل: لا أدري، أو انتظر سأبحث في المسألة، أنا متردد فيها احتاج أن أتأكد، والذي يظهر لي أن الجواب كذا، لكنني غير متأكد منه أو عليك أن تتأكد من غيري.
لكن أن يأتي الإنسان فيخشى أن يُقال فلان مدرس ولا يجيب، فيجيب! هذا خطأ، ليس قصورًا في طالب العلم أن يقول: لا أدري، قد تجد طالبًا من الطلاب الصغار يعرف مسائل محددة أكثر من شيخه لأنه قد يكون قرأها قريبًا ومارسها ودرسها ومرت به وهذا ربما مرّت عن ذهنه.
وأحيانًا الإنسان يسأل عن مسألة تعزب عن ذهنه، فإذا ما أخذ يفكر تعود إليه، فيطلب من هذا ألا يتعجل الإنسان في الإجابة، بل عليه أن يستجمع، وأن يتذكر ويطلب من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العون.
ولذلك كان الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كل واحد منهم، والسلف كذلك يحيل كل واحد منهم إلى الآخر في الفُتيا، ليس في الفُتية أنك إذا سُئلت أفتيت
(١) أخرجه الدارمي (١/ ٢٥٨ رقم ١٥٩) وضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (١٨١٤).