وهنا يرد سؤال أيضًا، لماذا المؤلف وغيره من عامَّةِ الفقهاء لا يقولون: باب (الأمواه) وإنما يقولون: باب المياه، فلماذا جاؤوا بجمع الكثرة وعَدَلوا عن جمع القلَّة؟
قالوا: ذلك بالنظر إلى أنواع المعنى، فنحن لو أردنا أن نبسط الكلام بسطًا جزئيًّا في الماء وجدنا أنه ينقسم أولًا لأقسام، فهناك ماء طهور، وماءٌ طاهرٌ، وماء نجسٌ، وماء متغيِّرٌ، وماءٌ باقٍ على أصل خلقته، وهناك ماء قد تغير بطول مكثه، وأيضًا لو جئنا إلى أنواع المياه لوجدنا أن هناك مياه نزلت من السماء وهي التي سنتحدث عنها، ومياهٌ نبعتْ من الأرض، وماءٌ نزلَ من السماء إمَّا مطر، وإما بردٌ، وقد ينزل ثلجٌ أيضًا، وكذلك بالنسبة لما ينبعُ من الأرض فهناك مياه البحار، ومياه الأنهار، ومياه العيون، ومياه الأودية … إلى غير ذلك من الأجزاء، ومن المعلوم أنَّ جمع القلة ينتهي عند العشرة فما دونها، وما زاد على ذلك يُسمى بجمع الكثرة، فلهذه الأنواع ولغيرها من أمورٍ أُخرى تتعلق بالماء من تنويعاته ذكر المؤلفون ذلك المصطلح فقالوا: باب المياه، ولم يقولوا:(باب الأمواه).
هذا الماء الذي سنتحدث عنه منه ما يُعرف بالماء المطلق.
والماء المطلق: هو الماء الباقي على خلقته.
أي: الذي لم يتطرق إليه أي شيءٍ فغيَّره أو بدَّله.
وبعضهم يُعَرِّفه بتعريفٍ آخر فيقول: هو العاري عن الإضافة.
لأنَّ الماء قد تضيف إليه شيئًا، وهذا الذي يُضاف إليه قد يكون طاهرًا، وهذا الطاهر لا يخلو إما أن يكونَ قليلًا فلا ينقله عن اسم الماء، وقد يكون كثيرًا فيحوله من اسمِهِ فيضاف إلى اسم ذلك المضاف، فيقال: ماء الورد، أو ماء البَقْلَة، والحِمِّص، أو ماء الزعفران، أو غير ذلك من الأمور الكثيرة المعروفة.