للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (وَأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ المِيَاهِ طَاهِرَةٌ فِي نَفْسِهَا، مُطَهِّرَةٌ لِغَيْرِهَا إِلَّا مَاءَ البَحْرِ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ شَاذًّا) (١).

هذا الذي أشار إليه نُقل عن الصحابيَّيْنِ عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، فإنه نُقل عنهما أنهما كرها الوضوء بماء البحر، ونقل أيضًا عن سعيد بن المسيب وهو من كِبار التابعين، والدليل على ذلك ما جاء عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يركب البحر إلا حاجٌّ، أو معتمرٌ، أو غازٍ في سبيل الله، فإنَّ تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا" (٢)، فذكر سبعة أبحر وسبعة نيران. وهذا الحديث حديثٌ ضعيف.

وأيضًا ناقشه العلماء من ناحية الحسِّ وقالوا: المحسوس أننا نشاهد الماء والرسول -عليه الصلاة والسلام- نصّ في الحديث الصحيح فقال: "هو الطهور ماؤه" فبيَّن أنَّ ماءَه طاهرٌ، فلا يمكن أن نترك ذلك الحديثَ الصحيحَ الصريحَ الذي عمل به الصحابة -رضوان الله عليهم- والمسلمون بعد ذلك.

قوله: (وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِتَنَاوُلِ اسْمِ المَاءِ المُطْلَقِ لَهُ).

ذكر الماء المطلق: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} هنا الماء، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} هنا الإطلاق، ثم جاء التنصيص على البحر فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". فهذا رفع كل إشكال وأزاله.


(١) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" (١/ ٧٤)؛ حيث قال: "وأجمع فقهاء الأمصار أن مياه البحر عذبها و (أجاجها) بمنزلة واحدة في الطهارة والتطهير، إلا ما حكي عن قوم أنهم لا يجيزون التوضؤ بماء البحر".
(٢) أخرجه أبو داود (٢٤٨٩)، وقال الأرناؤوط: إسناده ضعيف جدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>