للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضية تسمية العنب بالكَرْم فيه كلامٌ معروف، وتكلم عنه العلماء (١)؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه أن الكَرْم هو المسلم (٢)، وكذلك أن قلب المؤمن هو الكرْم، والعلماء قد أجابوا بأجوبة جمعوا فيها بين الأحاديث، وليس هذا هو مقامها؛ لكن الذي يهمنا هنا وهو ما يرتبط بدرسنا: هو ما يتعلق بحديث عتاب:

فالجمهور: أخذوا بهذا الحديث، واعتبروه حُجَّة إلى جانبِ الأدلة الأخرى؛ أي: ليس هذا هو الحديث فقط الذي ورد في الخرص، وإنما ورد فيه غيره؛ كحديث: "إذا خرَصْتُم فدعوا الثُّلثَ فإن لم تدَعوا الثُّلثَ فدعوا الرُّبعَ" (٣)، وقصة الرجل الذي جاء يشكو أبا حثمة إلى رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقول: إنه زاد عليه في الخرص، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يرد الرجل، وإنما سأل أبا حثمة فبيَّن له أنه ترك له كذا وكذا، فأخبره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الحاكم العدل- بيَّن له أن أبا حثمة قد أنصفه، وأنه زاده أيضًا -كما سيأتي في الحديث ونعلق عليه إن شاء اللَّه-.


(١) يُنظر: "تهذيب اللغة"، للأزهري (١٠/ ١٣٢) وفيه: "الكرم: صفة محمودة، والكريم من صفات اللَّه جل ذكره، ومن آمن باللَّه فهو كريم، والكرم: مصدر يقام مقام الموصوف. فيقال: رجل كرم. ورجلان كرم، ورجال كرم، وامرأة كرم، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لأن معنى قولك: رجل كرم؛ أي: ذو كرم. ولذلك أقيم مقام المنعوت فخفف، والكرم سمي كرمًا لأنه وصف بكرم شجرته وثمرته، وقيل: كرم بسكون الراء لأنه خفف عن لفظة كرم لما كثر في الكلام. . . ونهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن تسميته بهذا الاسم لأنه يُعتصر منه المسكر المنهي عن شربه وأنه يغير عقل شاربه، ويوقع بين شَرْبه العداوة والبغضاء. فقال: الرجل المسلم أحق بهذه الصفة من هذه الشجرة التي يؤدي ما يعتصر من ثمرها إلى الأخلاق الذميمة اللئيمة. قال أبو بكر: يُسمَّى الكرم كرمًا لأن الخمر المتخذ منه يحث على السخاء والكرم ويأمر بمكارم الأخلاق فاشتقوا له اسمًا من الكرم للكرم الذي يتولد منه فكره النبي -صلى اللَّه عليه وآله- أن يُسمَّى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المرء المؤمن أولى بهذا الاسم الحسن".
(٢) أخرجه البخاري (٦١٨٣)، ومسلم (٢٢٤٧)، ولفظ مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم".
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>