للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن مذهب الشافعية المحقق هو الذي ذكرته لكم، وهو المعتبر.

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مَا يُعَارِضُ الآثَارَ فِي ذَلِكَ مِنَ الكِتَابِ وَالقِيَاسِ، أَمَّا السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ: فَمَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا حَثْمَةَ خَارِصًا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا حَثْمَةَ قَدْ زَادَ عَلَيَّ. . .) (١).

هذا رجل جاء يشكو إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أن رسوله الذي أرسله -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخرص نخل هذا الرجل رأى أنه قد تجاوز الحد فزاد عليه، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينهر الرجل وإنما تركه فسأل أبا حثمة عن ذلك.

* قوله: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ يَزْعُمُ أَنَّكَ زِدْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ تَرَكْتُ لَهُ قَدْرَ عَرِيَّةِ أَهْلِهِ، وَمَا يُطْعِمُهُ المَسَاكِينَ، وَمَا تُسْقِطُهُ الرِّيحُ، فَقَالَ: "قَدْ زَادَكَ ابْنُ عَمِّكَ وَأَنْصَفَكَ").

انظروا إلى الحكم الدقيق من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والذي ينبغي أن يكون نبراسًا (٢) وقدوة لنا؛ لأن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١]، جاءه رجل يشكو إليه ذلك الخارصَ الذي أرسله -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو السائل، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكذِّب الرجل ولم يصدقه فيما قال، وإنما بنى كلامه على الأصل، فلما جاء رسوله الذي أرسله بيَّن له أن هذا الرجل يزعم أنه قد ظلمه، وأنه قد تجاوز الحد في ذلك فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليصدِر الحكم عن بينة؛ فأخبره بأنه لم يزد عليه وإنما ترك له ما يأكل أهله، وترك له العرية، وترك له ما


= قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع". حمله الشافعي -رضي اللَّه عنه- وتبعه الأئمة على تركهم له ذلك من الزكاة ليفرقه بنفسه على فقراء أقاربه وجيرانه لطمعهم في ذلك منه لا على ترك بعض الأشجار من غير خرص؛ جمعًا بينه وبين الأدلة الطالبة لإخراج زكاة التمر والزبيب".
(١) أخرجه الدارقطني في "السنن" (٣/ ٥٣)، وقال المباركفوري: "وفيه محمد بن صدقة وهو ضعيف". انظر: "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (٦/ ١٥٧).
(٢) النبراس، بالكسر: المصباح. انظر: "تاج العروس"، للزبيدي (١٦/ ٥٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>