للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتاج إليه السائل، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد أنصفك (١) وزادك".

إذن؛ هذا السائل الذي جاء إليك ليخرص لم يتجاوز الحد ولم يظلمك في حكمه، وإنما أعطاك حقك وتجاوز؛ أي: تسامح معك.

وهكذا أيُّ حكم من الأحكام لا ينبغي أن يصدره المسلم على أخٍ له دون أن يعلم حقيقة الأمر.

ولنفرض: أنه جاء إلى إنسان رجل فقال: فلان فعل كذا وكذا، لا ينبغي أن تأخذ كلامه مسلمًا مهما كان هذا الرجل صادقًا ومعروفًا بين الناس حتى تسمع أيضًا إلى خصمه وإلى الشخص الآخر فترى الحقيقة؛ ولذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الذي ينزل عليه الوحي بيَّن أنه يأتيه الرجلان؛ فربما يكون أحدهما ألحن بحجته من الآخر فيقضي على نحو مما أسمع لكنه بيَّن بقوله: "فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار فليأخذها أو فليدعها! " (٢).

"ولما جاء رجل إلى علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فيقول فلان: فقأ عيني؛ فيقول: لا أحكم لك، لا أدري لعلك فقأت عينيه" (٣).

إذن؛ الحكم دائمًا إنما يصدر بعد أن تستجمع الأدلة.

وهكذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جاءه الشاكي لم يكذبه، لكنه لم يأخذ قوله مسلَّمًا حتى سمع من الآخر، فحينئذٍ بين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الحق في ذلك، وأن


(١) يقال: أنصفت الرجل إنصافًا عاملته بالعدل والقسط، والاسم النَّصَفة بفتحتين؛ لأنك أعطيته من الحق ما تستحقه لنفسك، وتناصف القوم أنصف بعضهم بعضًا. انظر: "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير"، للفيومي (٢/ ٦٠٨).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣).
(٣) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (٨/ ٤٣٦) عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: "أتى عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه فقال له عمر: تحضر خصمك فقال له: يا أمير المؤمنين، أما بك من الغضب إلا ما أرى فقال له عمر: فلعلك قد فقأت عيني خصمك معًا، فحضر خصمه قد فقئت عيناه معًا، فقال عمر: إذا سمعت حجة الآخر بان القضاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>