للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلفت (١)، وإذا ما جاء أحدها اكتُفي به عن الآخر؟

وقد مر بنا مصطلح الإيمان والإسلام، وقد عرفنا أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

فكذلك هنا المسكين والفقير إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ لأن اللَّه عزَّ وجلَّ لا يذكر صنفين لغير حكمة، فهذا القرآن كما اشتمل على الأحكام فهو مشتملٌ أيضًا على الحِكم، والمعاني، والأسرار، والبلاغة.

وعليه: فالفقراء غير المساكين. وقد اختلف الفقهاء أيضًا في أيهم أشدهم حاجة؛ الفقير، أو المسكين؟ فنبدأ بالفقير؛ فقد بدأ اللَّه عزَّ وجلَّ به. وهنا نسأل: هل لهذه البداية مغزى؟ فالآية الكريمة عندما افتتحت بذكر هؤلاء الثمانية بدأت أول ما بدأت بالفقراء، والمعروف لكل مَن درس لغة العرب وتتبعها أن من عادتهم أنهم إذا كان الأمر ذا أهميةٍ فإنهم يقدِّمونه، فالعرب لا تقدِّم أمرًا من الأمور عبثًا، وإنما لغايةٍ وسببٍ من الأسباب، وهذه الغاية تتمثل في أهمية هذا الأمر، والعناية به.

وهذا القرآن -كما نعلم- نزل بلسانٍ عربي مبين، وقد أنزله اللَّه عزَّ وجلَّ بلغة العرب، وهو يخاطب العرب، وآيات القرآن فيها أدلة كثيرة تؤكد ذلك وتؤيده.

وعليه: فقد ذهب الشافعية (٢) والحنابلة (٣) إلى أن الفقير أشد حاجةً من المسكين.


(١) يُنظر: "غذاء الألباب"، للسفاريني (٢/ ٥٢٤) "واعلم أن الفقير يطلق على المسكين، والمسكين يطلق على الفقير، فهما كالإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وليسا سواء باتفاق". وانظر: "المجموع"، للنووي (٦/ ١٩٧).
(٢) يُنظر: "مغني المحتاج"، للشربيني (٤/ ١٧٦) "تنبيه: قد علم من ذلك أن المسكين أحسن حالًا من الفقير خلافًا لمن عكس، واحتجوا له بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: ٧٩]. حيث سمي مالكيها مساكين، فدل على أن المسكين من يملك شيئًا يقع موقعًا من كفايته، وبما روي من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا". مع أنه كان يتعوذ من الفقر".
(٣) يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٢/ ٢٧١) حيث قال: " (أحدهم)؛ أي: الأصناف =

<<  <  ج: ص:  >  >>