ونعلم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو المُبيِّن لما أُجمِل في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ والموضِّح لذلك، وقد قال هنا لمعاذ -رضي اللَّه عنه-: "فأَخْبِرهم أن اللَّه قد افترض عليهم صدقة، تُؤخَذ من أغنيائهم فتُرد في فقرائهم".
فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسل رسوله معاذًا -رضي اللَّه عنه- في مهمة، وهذه المهمة تتعلق بأركان الإسلام، والمقام مقام بيان، ولو كان لا يجوز قصر صرف الزكاة على صنفٍ واحد فقط، لبيَّن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك لمعاذ -رضي اللَّه عنه-؛ ولأَمَره أن يصرفَها في الفقراء شريطة ألَّا يجد غيرهم.
فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تؤخَذ من أغنيائهم، فتُرد في فقرائهم": نصٌّ يتعلق بهذه المسألة، وقد اقتصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه على الفقراء وحدهم.
ولو نظرنا إلى فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسنجد أنه مرةً أعطى الفقراء، ومرةً أعطى المؤلَّفة قلوبهم، وأعطى غير هؤلاء. فكما أن السنة القولية التي جاءت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تدل على جواز الاقتصار على صنف واحد، فكذلك السنة الفعلية التي جاءت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تدل أيضًا على جواز ذلك.
فجماهير العلماء يرون أن سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- القولية والفعلية بيَّنت ما في الآية؛ فقالوا: إن المراد من قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة: ٦٠] إلى آخر الآية. إنما المراد من ذلك والمفهوم: هو أن هذه الزكاة لا تُصرف لغير هؤلاء، بل تكون في هذه المصارف، ولا يُتجاوز بها إلى غيرها، وليس معنى الآية أنه لا يجوز أن تُصرف في صنفٍ، أو أكثر.
= لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين اللَّه حجاب".