لا شك أنه لا ينبغي لغني أن يسأل من الزكاة؛ ففي الحديث: أن رجلين جاءا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجَّةِ الوداع، وهو يُقسِّم الصدقة، فطلبا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُعطيَهما. فصوَّب -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرَه فيهما، ثم وضعَه -يعني: خَفَضه- فرآهما جَلْدَين -يعني: قَوِيَّيْن- ثم قال:"إن شئتم أعطيتُكما، لكنه لا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسِب"(١). فالغني: لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة شيئًا. وقد يكون الإنسان ليس غنيًّا، ولا مال عنده، لكنه صاحب صنعة، كأن يشتغِل في مصنع، أو يكون نجارًا، أو حدَّادًا، أو قائد سيارة، المهم يعمل في عملٍ من الأعمال، أو في حرفةٍ من الحِرَف؛ فإنه في هذه الحالة يحصل على ما يُنفق به على نفسه، وعلى أولاده، ومَن تلزمه مؤونتهم ونفقتهم. فمثل هذا لا يُقال بأنه فقير؛ لأن الإنسان الذي يستطيع أن يعمل ويكسب فإنه يُعتبر غنيًّا حقيقة، فليس له أن يأخذ من الصدقة.
ولذلك لما رأى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- القوة في الرجلين، كما جاء في الحديث:"رجلين جلدين"، يعني: قويين، فنظر فيهما، يعني: صوَّبهما بنظره، ينظر، ثم خفض بصره -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث:"إن شئتُما أعطيتُكما": فتكونان حينئذٍ مسؤولين أمام اللَّه عزَّ وجلَّ بأَخْذِكما صدقةً لا تجوز لكما.
(١) أخرجه أبو داود (١٦٣٣) عن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب" وقال الألباني في "إرواء الغليل" (٨٧٦).