للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإمام أبو حنيفة لا يرى إعطاء المؤلفة مطلقًا؛ إما لأن الحكم منسوخ، أو لأن علته قد زالت.

وللرد على ذلك نقول:

(١) أما حجته الأولى: فلا نسلم بها؛ لأن النسخ -كما علمنا- يحتاج إلى دليل، ولا دليل هنا؛ فلا نسخ إذًا.

(٢) أما حجته الثانية: فالقاعدة الفقهية المعروفة -وهي أن الحكم يزول بزوال علته وجودًا وعدمًا (١) - ليست مُسلَّمة، ولا تنطبق عند التطبيق على كل الأحكام، بل على بعضها فقط.

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟).

نقول: دعوى التخصيص تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على أن ذلك خاصٌّ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولو كان الأمر يخصه لبيَّنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن هذا حكم اللَّه وشرعه، وشرع اللَّه يجب أن يُبيَّن، فقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]. وقال اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-أيضًا: {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ٦٤]. فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد بيَّن ما في آية أصناف الزكاة، وطبَّقه تطبيقًا عمليًّا، وما يصدر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو حكمٌ عام، وما يخصه فلا بد أن يأتي دليلٌ يخصه.

* قوله: (أَوْ عَامٌّ لَهُ، وَلِسَائِرِ الْأُمَّةِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ) (٢).

نحن نقول: هو بالفعل عام، كما قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ. وهذا في


(١) انظر لشرح هذه القاعدة "موسوعة القواعد الفقهية"، لمحمد آل بورنو (١٢/ ٢٦).
(٢) يُنظر: "الحاوي الكبير"، للماوردي (٨/ ٤٩٨) حيث قال: " (ولو قال) قائل كان هذا السهم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان له أن يضع سهمه حيث يرى فقد فعل هذا مرة وأعطى من سهمه بخيبر رجالًا من المهاجرين والأنصار؛ لأنه ماله يضعه حيث رأى، ولا يعطى أحد اليوم على هذا المعنى من الغنيمة، ولم يبلغنا أن أحدًا من خلفائه أعطى أحدًا بعده. ولو قيل: ليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمان، كان مذهبًا، واللَّه أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>