للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَبَعْضُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ السَّبِيلِ جَارَ الصَّدَقَةِ).

بيان المراد بعبارة (جار الصدقة)، يعني: أن يكون في البلد الذي وجبت فيه الصدقة؛ أي: الزكاة.

وتخرج فيه. وهذا الحكم متعلق بمسألة أُخرى فرعيَّة، وهي: هل يجوز أن تُخرَج الزكاة عن البلد الذي وجبت فيه، فتنقل إلى بلد آخر، وتصرف فيه؟

أو أن هذا النقل مقيد بحالة عدم وجود من يأخذ هذه الزكاة في البلد الذي وجبت فيه؟

لو نظرنا إلى قصة معاذ -رضي اللَّه عنه-، وأنا متردد: هل هو المراد؟ أو أبو موسى -رضي اللَّه عنه- وإن كنت أرجح أنه معاذ، عندما أَرسل صدقته إلى عمر -رضي اللَّه عنه- فأنكر عليه عمر، وقال: أرسلناك ساعيًا، لا جابيًا.

فقد أنكر عمر -رضي اللَّه عنه- على هذا الصحابي إرساله الزكاة إلى المدينة، وبيَّن له أن هذا من فعل الجباية، وليست الزكاة جزية يأخذها فيرسلها إلى ولي الأمر، وإنما هي صدقة تُؤخَذ من الأغنياء، فترد في الفقراء، كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث عن الزكاة: "تُؤخَذ من أغنيائهم، فتردُّ في فقرائهم". فرد معاذ أو أبو موسى -رضي اللَّه عنهما- بأن قال لعمر -رضي اللَّه عنه-: لم أجد من يأخذها في اليمن. فحينئذٍ استجاب له عمر -رضي اللَّه عنه- (١).


(١) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (ص: ٧١٠) عن عمرو بن شعيب أخبره: أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند، إذ بعثه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمن حتى مات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبو بكر، ثم قدم على عمر، فرده على ما كان عليه، فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابيًا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك؛ لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني. فلما كان العام الثاني بعث إليه شطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل، فقال معاذ: ما وجدت أحدًا يأخذ مني شيئًا. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٣/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>