للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا، قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقُولُ: كنا نُؤْمر بها، أو نُخْرجها قبل نُزُول آية الزَّكاة؛ كالآيات الَّتي وَرَدتْ في إيجاب الزكاة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)} [التوبة: ١٠٣]، فَقَال: لم نُؤْمر، ولم نُنْه، هذا الحديث أخرجه النسائي، وكذلك ابن ماجه والدارقطني، وغير هؤلاء (١)، وهذا الحديث اختلف فيه صحةً وضعفًا (٢)، فهناك مَنْ يرى أن فيه راويًا مجهولًا، فيضعفه من طريقه، وبعضهم يرى أن هذا الراوي ليس مجهولًا، وأن هناك مَنْ وَثَّقَه.

نقول: على كلا الحالين لو سلَّمنا صحة الحديث، فهذا الحديث لا يَقْوى على معارضة الأحاديث الكثيرة التي هي أقوَى منه صحةً، وأصرح دلالةً.

الأمر الآخر: أن هذا الحديث يُحْمل على السكوت؛ أي: أن الأمر يترك على ما كان فهم، فكأنهم كانوا يعرفون أن زكاة الفطر واجبة، فنزل ما يتعلق بزكاة المال، فأمروا بها، أما زكاة الفطر فإنَّها قَد استقرت في أَذْهَانهم ونفذوها وطبقوها، وعرفوا حكمها، فلم يحتج إلى أن يكرر الحكم، ولَوْ كانت زكاة الفطر قد نُسخَتْ كما يدَّعي أولئك، لَبيَّن رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك؛ لأنَّ تأخيرَ البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ورَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وظيفته البيان {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]، فَرَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يأمر، ولم ينه، فيَبْقى الحكم على أصلِهِ، ولا يلزم أنه إذا نزل أمرٌ في مسألةٍ أن يكون ذلك الأمر مغيرًا، أو ناسخًا، أو رافعًا لحكم مسألة أخرى.


(١) أخرجه النسائي (٢٥٠٧)، وابن ماجه (١٨٢٨)، وأبو داود الطيالسي (٢/ ٥٣٦)، ولم أقف عليه عند الدارقطني، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح النسائي" (٢٥٠٦).
(٢) اختلف في هذا الحديث صحةً وضعفًا، فَممَّن حكم بصحته الإمام الحاكم، يُنظر: "المستدرك" (١/ ٥٦٨) حيث قال بعد تخريجه له: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، وممن حكم عليه بالضعف ابن حجر يُنظر: "فتح الباري" (٣/ ٣٦٨) حيث قال: "في إسناده راوٍ مجهولٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>