للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ المَاءِ مِنْ قَدَحٍ لَمَا كُرِهَ الغُسْلُ بِهِ وَالوُضُوءُ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الوَجْهِ مَنْ قَالَ هَذَا القَوْلَ، وَمَنْ كرِهَ المَاءَ القَلِيلَ تَحُلُّهُ النَّجَاسَةُ اليَسِيرَةُ جَمَعَ بَيْنَ الأَحَادِيثِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ على الكَرَاهِيَةِ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الأَعْرَابِيِّ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى ظَاهِرِهِمَا (أَعْنِي: عَلَى الإِجْزَاءِ). وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَجَمَعَا بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ بِأَنْ حَمَلَا حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى المَاءِ القَلِيلِ، وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى المَاءِ الكَثِيرِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الحَدَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الأَحَادِيثَ هُوَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ (١)، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ حَزْمٍ (٢)، قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ المَاءِ، وَمَا يَنُوبْهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ؟ فَقَالَ إِنْ كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا"، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الحَدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ فِي جَمِيعِ المَاءِ بِسَرَيَان الحَرَكَةِ، فَإِذَا كَانَ المَاءُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَسْرِيَ فِي جَمِيعِهِ، فَالمَاءُ طَاهِرٌ، لَكِنْ مَنْ ذَهَبَ هَذَيْنِ المَذْهَبَيْنِ، فَحَدِيثُ الأَعْرَابِيِّ المَشْهُورُ مُعَارِضٌ لَهُ وَلَا بُدَّ، فَلِذَلِكَ لَجَأَتِ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنْ فَرَّقَتْ بَيْنَ وُرُودِ المَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَى المَاءِ، فَقَالُوا: إِنْ وَرَدَ عَلَيْهَا المَاءُ كَمَا فِي حَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ لَمْ يَنْجُسْ، وَإِنْ وَرَدَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى المَاءِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَجُسَ. وَقَالَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ: هَذَا تَحَكُّمٌ، وَلَهُ إِذَا تُؤُمِّلَ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ


(١) أخرجه أبو داود (٦٣)، والترمذي (٦٧).
(٢) لم أقف على شيء من ذلك إلا قول ابن حزم في: "الإحكام في أصول الأحكام " (٧/ ٢١): "قوله سبحانه وتعالى: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو لم ينجس) على أنه أصح من حديث بئر بضاعة … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>