للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة، فتكلم، فكان ممَّا كلم الناس فيه أنه يرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك ثم قال أبو سعيدٍ: "ولكن لا أزال أُخرجه أي: كما كنت أُخرِجه في عهد رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

انْظُرُوا حَديثَ أَبي سَعِيدٍ جاء مُفصلًا ومُبينًا، "كانوا يخرجون زكاة الفطر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صاعًا من طعامِ"، وفُسِّر بالقمح "أو صَاعًا من شَعِيرٍ، أو صاعًا من تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا من زبِيبٍ، أو صاعًا من أقط قال: "ولا نَزَال نُخْرجها أي: ظلَّ الناس يخرجون (حتى قدم مُعَاوية المدينة)، هذه البلد التي نعيش فيها، (فكلَّم الناس، فكان مما تكلَّم فيه أنه يرى أن مُدَّين) يعني: نصف صاعٍ (أن مُدَّين من سمراء الشام)، يَعْني: من بُرِّ الشام (تعدل صاعًا من تَمْرٍ)، يعني: نصف صَاعٍ من البُرِّ يُسَاوي صَاعًا من التمر، قال: (فأَخَذ الناس بذلك)، يعني: أخذوا برأي معاوية -رضي اللَّه عنه-، لكنَّه قيد الكلام، قال: (وأنا لا أزال أُخْرجه)، أي: لا أزال أُخْرج صاعًا من البُرِّ كما كنت أُخْرجه في زمن رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

يُؤيِّده أيضًا حديث عبد اللَّه بن عمر المتفق عليه أنه قال: "أَمَرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصدقة الفطر صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعير قال: (فَعَدَل النَّاس عن ذلك إلى نصف صَاعٍ من بُرٍّ) (١).

فقَوْله: "فَعَدَل النَّاس"، فِي حديث ابن عمر يدُلُّ على أن الناس هُمُ الَّذين عدلوا. . . وَحَديث أبي سَعِيدٍ يُبيِّن سببَ عدول الناس.

وتأتي أحاديث أُخرى فيها أن صاعًا من بُرٍّ يُخرج عن اثنين، وأن صاعًا من تمرٍ أو شعير عن واحد (٢) كما سيأتي، لكن هذه الأحاديث فيها اختلافٌ في متنها وسندها، ولها طُرقٌ متعددة جدًّا كلها لا تخلو من مقال، وانتهى العلماء المحققون إلى أن هذه الأحاديث إنما جاءت بعد


(١) أخرجه البخاري (١٥١١)، ومسلم (٩٨٤).
(٢) سيأتي تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>