للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ بيَّن اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحكمةَ في ذلك، وهو التيسير على عباده، والتخفيف عنهم، وهذا عادةً أسلوب القرآن في كَثِيرٍ من الأحكام، أنه عندما يذكر الحكمَ، يذكر علَّته {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وفي آيةٍ ثانيةٍ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، وفي آيةٍ ثالثةٍ في حُكمٍ آخَرَ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وفي آيةٍ رَابعَةٍ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٦].

إذَنْ، خَفَّف اللَّهُ تَعالَى عن المؤمنين، والمسافر تلحقه مشقةٌ، وهذه المشقة وإنْ لم تكن متيقنةً، فإنها مشقةٌ مظنونةٌ، وَمَعَ كونها مَظْنونةً، استدعت أن يُخفَّف عن المسافر، فأُسْقِطَ عنه شطر الصلاة كما مرَّ بنا، كذلك أيضًا الفطرُ له أفضل؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس من البِرِّ الصيام في السفر" (١)، وأنكر على الرجل الذي ظُلِّل عليه وهو مسافرٌ أيضًا.

يقول المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:

"الصَّحيح"؛ لأنَّ المريضَ أنواعٌ: هناك مريضٌ يسقط عنه الصيام مؤقتًا، بمعنى يجوز له الفطر، لَكن يَلْزمه قَضَاؤه، لكن لَوْ كان إنسانًا عنده مرضٌ مزمنٌ لا يستطيع أن يَصُوم، فهذا يَتَعذَّر عليه الصيام، لَكنه يُطْعم عن كل يومٍ مسكينًا.

والمرأة الحامل والمُرضع إذا خافتا على ولديهما، أفطرتا وأطعمتا عن كل يومٍ مسكينًا.

أمَّا الحائضُ والنُّفساء، فإنه لا يجوز لهما الصيام، ولا يسقط عنهما، إذًا هناك فرقٌ بين الصلاة والصيام، فكما في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المتفق عليه: "كانت إحدانا تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة" (٢)؛ لأن الصلاة


(١) أخرجه البخاري (١٩٤٦)، ومسلم (١١١٥) من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاريُّ (٣٢١)، ومسلم (٣٣٥)، وفيه: "أنَّ امرأةً سألت عائشة، فَقَالت: =

<<  <  ج: ص:  >  >>