للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وَأَمَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ وُجُوبًا غَيْرَ مُخَيِّرٍ: فَهُوَ البَالِغُ العَاقِلُ الحَاضِرُ الصَّحِيحُ": "البَالِغُ العَاقِلُ الحَاضِرُ الصَّحِيحُ"، وأيضًا قَبْله الإسلَام؛ لأنَّ الصيامَ تكليفٌ، والكافرُ غير مُكلَّفٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣].

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: ٥٤]، فأعمالُهُم مردودةٌ.

إذًا، الصيام يجب على كل مسلم، وأن يكون هذا المسلم بالغًا عاقلًا؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ" (١)، فهؤلاء (المجنون والصغير) غير مُكلَّفين (٢)، فلو قلنا بإيجاب الصيام عليهما، لقلنا بوضع القلم عليهما، وهذا خلاف ما أخبر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بأن القلم قد رُفِعَ عن هؤلاء، فلو قيل بأن الصيام يجب عليهما، لكان ذلك وضعًا للقلم عليهما، وتكليفًا لهما بما لم تُكَلفهما به هذه الشريعة، لكن يحسُن أن يُعَوَّد الغُلَام الذي لم يبلغ على الصيام، وأن يُشَدد عليه في ذلك متى ما استطاع؛ لتُروَّض نفسه، ويَكُون لَدَيه الاستعداد عندما يُصْبح الصيامُ واجبًا في حقَه.

إذن، يجب الصيام على كل مسلمِ بالغ عاقلِ حاضرٍ، وقيده بالحاضر؛ لأن المسافرَ لا يجب عليه الصياَم، لكن لا يَسقط عنه، وإنما يقضيه كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤].


(١) أخرجه البخاري (٧/ ٤٥) من حديث علي -رضي اللَّه عنه- معلقًا، وهو موصول عند أبي داود (٤٣٩٩)، والترمذي (١٤٢٣)، وابن ماجه (٢٠٤٢)، وأخرجه أبو داود (٤٣٨٩)، والنسائي (٣٤٣٢)، وابن ماجه (٢٠٤١)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، وصحح الأَلْبَانيُّ كلا الحديثين في "إرواء الغليل" (٢٧٩).
(٢) ما يُسمِّيه الأُصوليون بعوارض التكليف، يُنظر: "مختصر التحرير شرح الكوكب المنير" لابن النجار الحنبلي (١/ ٣٠٨) حيث قال: "ولا يوصف فعل غير مُكلَّف من صغيرٍ ومجنونٍ بحسنٍ ولا قبحٍ؛ لأنه ليس بواجب، ولا محظور".

<<  <  ج: ص:  >  >>