للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في بعض الروايات: "إن قفاك لعريض" (١)، وقد وصفه بعض العلماء بأنه: عدم الفطنة (٢)، وبعضهم قال: لا يمكن أن يوصف بذلك لأن عديًّا أبعد مَن أن يوصف بمثل ذلك، لكن المراد هنا: أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن له في آخر الحديث فقال: "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" (٣).

إذن؛ عدي كان فهم من الآية: أن يجعل عقالين؛ أي: خيطين؛ أحدهما: أبيض، والآخر: أسود، ويجعلهما تحت وسادته، ويظل ينظر فيهما فإذا عرفهما بالرؤية، حينئذ يمسك إذا تبين له أن هذا أبيض وهذا أسود أمسك.

فبين له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المقصود بالخيط الأسود سواد الليل، وبالأبيض بياض النهار.

وأيضًا جاء في حديث سهل بن سعد وهو متفق عليه أنه قال: "نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل: {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجال إذا أرادوا أن يصوموا، ربط أحدهم في رجله خيطين أسود وأبيض، فلا يزال يأكل حتى يتمكن من رؤيتهما"؛


(١) أخرجه البخاري (٤٥١٠) عن عدي بن حاتم -رضي اللَّه عنه-، قال: قلت يا رسول اللَّه: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين"، ثم قال: "لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار".
(٢) يُنظر: "فتح الباري"، لابن حجر (٤/ ١٣٣)؛ حيث قال: "وجزم الزمخشري بالتأويل الثاني فقال: إنما عرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قفا عدي؛ لأنه غفل عن البيان، وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة".
(٣) يُنظر: "فتح الباري"، لابن حجر (٤/ ١٣٣)؛ حيث قال: "وقد أنكر ذلك كثير منهم القرطبي فقال: حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم، وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه وعضدوا ذلك بقوله: "إنك عريض القفا"، وليس الأمر على ما قالوه؛ لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذمًّا ولا ينسب إلى جهل، وإنما عنى واللَّه أعلم: أن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد اللَّه فهو إذن عريض واسع؛ ولهذا قال في أثر ذلك: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار".

<<  <  ج: ص:  >  >>