للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى هذا: أن الضوء قد ظهر إلا أن الشمس بعدُ لم تطلع، ومع ذلك يقول: "تسحرت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-". وفي بعض روايات هذا الحديث: أنه تسحر، ثم مرَّ على حذيفة فطلب حليبًا، ثم دعا بقدر فأمر بإحمائه ثم قدَّمه للأكل فقال: كل، فتوقف زِرٌّ، فقال: إني أريد الصيام فقال: وأيضًا أنا أريد الصيام، فأكل حذيفة، فأكلنا وشربنا ثم ذهبنا فأقيمت الصلاة وصلينا" (١). فهذا يدل على التأخير.

لكن هذا الحديث تكلم عنه العلماء:

فمن العلماء من قال: يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الآية، وهي قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. وهذا هو قول جماهير العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة؛ لأنهم يرون أن الصيام يلزم بطلوع الفجر الصادق فمتى ما بدا توقف الصائم عن الأكل حتى إذا كان في يده شيء وضعه، إلا إذا كان المؤذن يحتاط فيؤذن قبل ذلك هذا أمر يحتاج أن يتأكد منه.

يتبيَّن من هذا: أنَّ الحديث كما قال الطحاوي: "يحتمل أنه قبل نزول الآية" (٢).

وقال الحازمي أيضًا في كتاب "الاعتبار المعروف في الناسخ والمنسوخ": "أجمع العلماء على ترك هذا الحديث" (٣).


(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤/ ٢٣٠) عن شقيق بن سلمة قال: "انطلقت أنا وزر بن حبيش، إلى حذيفة، وهو في دار الحارث بن أبي ربيعة، فاستأذنا عليه، فخرج إلينا، فأتي بلبن، فقال: اشربا، فقلنا: إنا نريد الصيام قال: وأنا أريد الصيام، فشرب، ثم ناول زرًّا فشرب، ثم ناولني فشربت، والمؤذن يؤذن في المسجد قال: فلما دخلنا المسجد أقيمت الصلاة وهم يغلسون".
(٢) يُنظر: "شرح معاني الآثار"، للطحاوي (٢/ ٥٣)؛ حيث قال: "وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا، -واللَّه أعلم- أن يكون كان قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
(٣) يُنظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار"، لأبي بكر الحازمي (ص ١٤٤)؛ حيث قال: "أجمع أهل العلم على ترك العمل بظاهر هذا الخبر".

<<  <  ج: ص:  >  >>