للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُمْهُورُ وَالمُعْتَمَدُ، اخْتَلَفُوا فِي الحَدِّ المُحَرِّمِ لِلْأَكْلِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ طُلُوعُ الفَجْرِ نَفْسُهُ).

أي: هل يربط الحكم بطلوع الفجر أو لا بدَّ أن يتبينه الإنسان؟ هذا هو الذي يريد أن يقوله المؤلف، واللَّه تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد}.

* قوله: (وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ تَبَيُّنُهُ عِنْدَ النَّاظِرِ إِلَيْهِ).

وهذه المواضع وقع فيها خلاف بين العلماء، والأمران متقاربان، فينبغي للمسلم أن يأخذ بالأحوط عملًا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (١).

* قوله: (وَمَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْهُ، فَالأَكْلُ مُبَاحٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَعَ) (٢).

ينبغي ألا ننسى أن هذه الشريعة الإسلامية إنما بنيت على اليسر، واللَّه تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]؛ فهذه الشريعة بنيت على السماحة واليسر والتخفيف، وليس معنى ذلك أن يقول


(١) جُزء من حديث أخرجه الترمذي (٢٥١٨)، وصححه الألباني في "المشكاة" (٢٧٧٣).
(٢) مذهب المالكية، يُنظر: "أحكام القرآن"، لابن العربي (١/ ١٣١)؛ حيث قال: "ومن العلماء من جوَّز الأكل مع الشك في الفجر حتى يتبين؛ منهم ابن عباس والشافعي، لقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم"، وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت". وتأوله علماؤنا: قاربت الصباح، وقاربت تبين الخيط، وهو الأشبه بوضع الشريعة وحرمة العبادة، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يوشك من يرعى حول الحمى أن يقع فيه".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "بحر المذهب"، للروياني (٣/ ٢٥٣)؛ حيث قال: "وقت الصوم هو ما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس، كما أن وقت تركه ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني، وليس للفجر الأول تعلق بعبادة بحال؛ فما لم يطلع الفجر الثاني فله الأكل فإن كان شك في طلوعه فالمستحب أن لا يأكل؛ فإن أكل ولم يتبين له طلوع الفجر وبقي على الشك فلا شيء عليه وصومه صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>