للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ لَمْ يَرْتَفِعْ إِلَّا بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِرَفْعِهِ، وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ).

الترجيحُ هنا من حيث الدلالة لا من حيث السند والصحة، إذ لو كان الترجيح من حيث السَّند والصحة لقدمنا حديث ابن عباس، لكنَّ الترجيح هنا من حيث الدلالة، لأنَّ حديث ثوبان ناقلٌ عن البراءة الأصلية، بخلاف حديث ابن عباسٍ فإنه باقٍ على الأصل.

* قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُوجِبٌ حُكْمًا): أي: أقرَّ حكمًا من الأحكام، ألا وهو إفطار المحتجم، فنقل عن الأصل، وجاء بحكم جديدٍ نقل إليه، والنقل فيه إثبات حكمٍ، إذًا الحجامة تُبطل الصيام.

قوله: (وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَافِعُهُ): أي: رافعٌ لهذا الحكم، فيكون المحتجمُ كغيره.

أولًا: الموجب مرجحٌ عند كثيرٍ من العلماء على الرافع؛ لأنه جاء بزيادة حكمٍ، فوجب العمل بحديث ثوبان ما دام أنه قد صح ونقل إلى حكم جديد.

ثانيًا: أنَّ حديث ثوبان من قبيل القول، وحديث ابن عباسٍ من قبيل العمل، والقول في الجملة أقوى من العمل.

ثالثًا: أنَّ العمل بحديث ثوبان أبرأُ للمسلم وأحوطُ له، وقد قال النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (١).

رابعًا: أنَّ العمل بحديث ثوبان هو المأثورُ عن بعض السَّلف.

* قوله: (وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، وَذَلِكَ شَكٌّ، وَالشَّكُّ لَا يُوجِبُ عَمَلًا وَلَا يَرْفَعُ الْعِلْمَ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ لَا يَرَى الشَّكَّ مُؤَثِّرًا فِي الْعِلْمِ، وَمَنْ


(١) جزءٌ من حديثٍ أخرجه الترمذي (٢٥١٨) وصحَّحه الألبانيُّ في إرواء الغليل (٢٠٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>