للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: أنَّ حديث أبي هريرة منسوخٌ؛ إذ كان في أولِّ الأمر لا يجوز أن ينام الإنسان ثم يقوم فيجامع إلى الفجر، ثم نسخ ذلك، كما في مسألة الطعام والشراب (١).

ثانيًا: حمل حديث أبي هريرة على من أدركه الفجر وهو يجامع فلم ينزل، فإنَّ واجبه أن ينزع، كما لو كان يأكل اللقمة أو يشرب الشربة فإنه يلزمه التوقُّف، لكن هذا واصلَ فأدركه الفجر وهو على حاله، فيحمل حديث أبي هريرة عليه (٢).

لكن لا شكَّ أنَّ حجة الجمهور أوضحُ، وأنَّ أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- كان يفتي بالفطر ثم عدل عن ذلك لمَّا بلغه حديثا عائشة وحفصة -رضي اللَّه عنهما-.

وهذا هو القولُ الصحيحُ؛ فإنَّ تلك الشريعة بُنيت على اليسر والتخفيف وعلى مراعاة مصالح الناس، وهذا القول هو الذي يلتقي مع روحها ولبِّها.


(١) وهو ما ذهب إليه الخطابي كما نقل عنه ذلك الحازمي في: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص: ١٣٦) قال: فأحسن ما سمعت في تأويل ما رواه أبو هريرة في هذا: أن يكون ذلك محمولًا على النسخ، وذلك أنَّ الجماع كان في أول الإسلام محرَّمًا على الصائم في الليل بعد النوم، كالطعام والشراب، فلما أباح اللَّه الجماع إلى طلوع الفجر، جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أنْ يصوم ذلك اليوم؛ لارتفاع الحظر المتقدم، فيكون تأويل قوله: من أصبح فلا يصوم؛ أي: من جامع في الصوم بعد النوم فلا يجزيه صوم غده؛ لأنه لا يصبح جنبًا إلا وله أنْ يطأ قبل الفجر بطرفة عين، وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل بن العباس على الأمر الأول ولم يعلم بالنسخ، فلما سمع خبر عائشة وأم سلمة صار إليه.
(٢) يُنظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص: ١٣٧) حيث قال: وأمَّا الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- فقد سلك في هذا الباب مسلك الترجيح، وقال: فأخذنا بحديث عائشة، وأم سلمة زوجي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دون ما رواه أبو هريرة، عن رجلٍ، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعان: منها: أنهما زوجتاه، وزوجتاه أعلم بهذا من رجلٍ؛ إنما يعرفه سماعًا أو خبرًا. ومنها أنَّ عائشة مقدمةٌ في الحفظ، وأم سلمة حافظةٌ، ورواية اثنين أكثر من رواية واحد، ومنها: أن الذي روتاه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المعروف في المعقول والأشبه بالسُّنن.

<<  <  ج: ص:  >  >>